قبل سبتمبر 2017، لم يكُن لأكثرية اللاعبين الحاليين والجُدد درايةٌ كبيرة بشركة Epic Games خاصةً وأنها تخلَّت عن سلسلة Gears of War لصالح Xbox، وركزَّت جُل أعمالها على تطوير محرِّك Unreal Engine مع تطوير بعض الألعاب التي لم تحظَ بالنجاح التُجاري المأمول، على غرار Paragon التي أُغلِقَت خوادمها في أبريل 2018.
وفي أعقاب هذا التاريخ، خرجت لنا لعبة Fortnite Save the World من العدم، والتي لم يتوقع أكثر المتفائلين أن تحقق ذاكَ الصدى، ويتجاوز عدد لاعبيها حاجز المليون، في ظرف شهرٍ واحد، لدرجة أن أحد مسؤوليها السابقين كان على وشك إلغائها بل إن Epic نفسها قررت تأجيل المشروع في وقتٍ ما.
ولكن، يحسب لشركة Epic أنها لم تكتفِ بهذا النجاح غير المتوقع، ونظرت إلى السوق، لتجد أن لعبة PUBG تحقق نجاحًا أسطوريًّا مع أسلوب لعب Battle Royale. وهذا ببساطة عظَّم رغبة الشركة الأمريكية في استغلال هذا النجاح الكبير وإطلاق طور Battle Royale في لعبة Fortnite بشكلٍ مجانيٍ، ليتحول الطور إلى الدجاجة التي تبيض ذهبًا في خزائن Epic.
أعلت Fortnite من قدر Epic Games مرةً أخرى، وأعادتها إلى المشهد من الباب الكبير. وهو نجاحٌ مستحق؛ إذ بذلت الشركة قصارى جهدها في تحسين اللعبة ودعمها على المدى الطويل– حتى وإن كانت البداية تتسم بالانتهازية، فهي انتهازيةٌ تنافسيةٌ بطبيعة الحال.
Epic Games تتحول إلى «حمامة السلام ونصرة المظلوم» وتهاجم المنافسين
البداية كانت مع الحملة التي قادها رئيس Epic السيد Tim Sweeney والذي أخذ بانتقاد الأغلبية الكاسحة من الشركات العملاقة، على غرار Apple و Google و Valve بسبب تقاسم تلك الشركات مطوري الألعاب في أرباحهم بنحو 30 في المئة.
المثير للاهتمام أن السيد Sweeney لم يُهاجم سياسات Playstation المالية قط، على الرغم من أن التقارير تؤكد أن الشركة ذات الأصول اليابانية تُقاسم المطورين في إيرادات عائداتهم هي الأخرى بنسب متفاوتة، تصل إلى 30 في المئة أيضًا!
وفي الحقيقة لا أجد ذلك مفاجئًا بشكلٍ هائل، فشركة Epic Games نفسها حصلت على استثماراتٍ مباشرةٍ من Sony بلغت 250 مليون دولارًا، والتي ساهمت في إيصال قيمة الشركة السوقية إلى 17 مليارَ دولارًا. بطبيعة الحال خرج Sweeney لنفي وجود أي علاقةٍ بتملقهِ ومديحه الشديد لجهاز PS5 بتلك الصفقة– فهو لا يملك أي شيءٍ يفعله سوى ذلك.
إذًا، يتضح لنا في هذا الجانب أن Epic Games ليست حمامة السلام بالفعل، وأنها تهاجم البعض وتُحابي من أجل البعض الآخر تحقيقًا لغاياتها ومآربها التجارية. فتراها تهاجم Apple و Google و Microsoft و Valve وتتود إلى Sony. والظاهر أنها تحارب الاستغلال، إلا أنها تستغل الاستغلال بعينه.
إذًا، ما قصة الخلاف مع Apple؟
كلُ ما في الأمر -كما قلنا أعلاه- أن Epic لم تكن تتوقع أن تحقق Fortnite هذا النجاح الهائل. فتمامًا كغيرها من الشركات، ذهبت Epic إلى Apple لتستفيد من إمكانات وشعبية نظام iOS لتُطلق لعبتها عبر متجر App Store. وتُوجب «آبل» جميع المطورين بمختلف مكانتهم على ضوابطٍ وشروط تخصها، بما يشمل في ذلك تقاسم الأرباح بنسبة 30 في المئة.
وافقت Epic على هذه الشروط بكل الدواعي والسرور. وبعد الإطلاق، حققت Fortnite نجاحها غير المسبوق، وبأرباحٍ تجاوزت النصف مليار دولار من iOS وحده، منذ إطلاق اللعبة وحتى فبراير 2019. أخذت Epic العزة بالإثم، وبدأ Sweeney يتجه للهجوم ومعارضة تلك النسبة وأشعل حربًا كلامية لعامٍ تقريبًا، انتهت بتحرُّكٍ فعليٍ يخوِّل مستخدمي iOS من شراء عناصر V-Bucks بطريقة لا تتوافق مع الضوابط والشروط التي وافقت عليها Epic مع Apple، ما قاد إلى حذف Fortnite من متجر التطبيقات، بل وعزم «آبل» منع «إيبك» من التطوير لنظاميّ iOS و Mac للأبد نهاية الشهر الجاري.
وبعد أن كسرت Epic قواعد وضوابط اتفاقها مع Apple عن عمدٍ، خرجت للنحيب والعويل، تستنجد بالجمهور، استغلالًا لتعاطفهم وجهلهم. فالتعاطف، يأتي من اللاعبين الذين كونوا مشاعرًا وحبًا لشركة Epic التي تدعم لعبتهم المفضلة Fortnite على الدوام، ناهيك من توزيعها ألعابًا مجانية بشكلٍ أسبوعيٍ على PC.
على الهامش: على ذِكر الألعاب المجانية التي توزعها Epic Games، فهي حركةٌ استغلاليةٌ أخرى منها، وهذه المرة لسلوكيات لاعبي PC. معروفٌ عن لاعبي PC حبهم وشغفهم الكبير في تضخيم وضبط وتجميع مكتبة ألعابهم في مكانٍ واحد. وهو ما يفسر حبهم الكبير لمتجر Steam– إذ تمنحه الأقدمية الأفضلية. وللمنافسة، لا خيار أمام Epic سوى إجبار ودفع اللاعبين على القدوم إلى متجرهم، والسبيل الوحيد في ذلك، هو توزيع ألعابٍ مجانية.
وحققت الشركة نجاحًا كبيرًا على هذا الجانب، حتى أنها أكَّدت بنفسها أن اللاعبين أنفقوا 680 مليون دولارًا على شراء الألعاب عبر Epic Game Store في يناير الفارط.
بالعودة إلى الحرب مع «آبل»، قلت أن Epic تستغل جهل اللاعبين. وما أقصده في هذا الجانب هو أن الأغلبية الساحقة من اللاعبين لا يكرِّس أو يحمل اهتمامًا بالأعمال التجارية أو الاقتصاد، وسينجرف وراء الشركة التي يحبها وتمنحه الألعاب المجانية داعمًا لها وهو مُغيَّب– وهو ما يحدث من قِبل قطاعٍ عريض من اللاعبين صغار السن حاليًّا بالفعل.
إن Epic تحارب الاستغلال بالاستغلال– هذا في حال وافقنا جدلًا على أن شركة Apple مستغلةٌ. أنا شخصيًّا لا أجد Apple مستغلةً أو غير مستغلة! آبل هي صاحبة النظام، وكرَّست جهودات وأوقاتًا وصنعت وابتكرت على مدار السنوات العشر الماضية لتخلق لنفسها ولعلامتها التجارية مكانةً في هذا العالم وفي نفوس الملايين حول العالم. وقد نجحت في ذلك، سواءً أرأيت ذلك مستحقًا أم لا. وبالتالي، ترى تلك الشركة أن من حقها الحصول على 30 في المئة من إيراداتك، نظير تلك السنوات التي قضتها في البناء والابتكار، بل ونظير تسهيل وصولك إلى الملايين حول العالم.
وافقت أنت بالفعل على تلك الشروط بمنتهى الرضا ولم تُعارض. أنت لم تتوقع أصلًا أن تحقق تلك هذا النجاح. الآن، وبعدما حققت نجاحًا تجاريًّا أخَّاذًا يشهد لك الجميع به ولا ينكرهُ إلا جاهل، تتجبُّر وتطغى على القواعد التي وافقت عليها، وتضع نفسك في موضعٍ أمام العامة وكأنما أنت الرجل الوطواط كضوءٍ لمع وسط المدينة، سيحقق أرباحًا على حساب الشركات الأخرى واستغلالًا لجهل وتعاطف اللاعبين، بل وللنغمة التمردية السائدة في مختلف الأنحاء حاليًّا واستغلال للتحقيقات الدائرة مع مسؤولي الشركات الكبرى التي عُقدت في يوليو الفائت من قِبل اللجنة القضائية بالكونجرس الأمريكي.
أنا شخصيًا أرفض بشكلٍ تلقائيٍ أي تصرُّفٍ أو نهجٍ تتبناه الشركات أو أي مؤسسة أخرى، يقوم أو يرتكز على استغلال عواطف الناس أو جهلهم، حتى وإن كانت لي مصلحةٌ في ذلك.
وجهة نظرٍ أخرى
ومع ذلك، أثار أحد أصدقائي انتباهي إلى وجهة نظرٍ أخرى جيدة.
تقوم وجهة نظري على رفض أي استغلالٍ للعواطف لتحقيقِ أيٍّ من المآرب الشخصية أو التجارية. بينما ألمح لي صديقي إلى أنه لا يعارض أن تشتعل الحرب بين الشركات، وتستغل بعضها بعضًا، إلى أن تؤول إلى مصلحة المستخدم في النهاية. وهي وجهة نظر أتفهمها على نحوٍ كامل، وأعلم يقينٍ أن الكثيرين سيتفقون معها– ولهذا السبب ذكرتها.
ولكن، سبب كتابتي لهذا المقال الطويل هو رغبتي في أي يتبنى الناس وجهة النظر تلك، لكن مع إدراكهم وعلمهم بأن Epic Games تستغل عواطفهم أيضًا. وفي هذة الحالة -أي أصبحت عارفًا بما يحدث من حولك وقررت تبنِّي نفس وجهة النظر والسماح لها باستغلال عواطف اللاعبين للاستفادة في الأخير- ووقتها لا مشكلة.
س: هل لو لم تحقق لعبة Fortnite هذا النجاح الكبير، لكانت Epic عارضت Apple؟
ج: لا. كانت لترضخ ولترضى تمام الرضا بنسبة 70 في المئة من أرباحها، بل لكانت ستعبر بكل سرور عن تعاونها الرائع مع «آبل».
لا تنسَ المشاركة برأيك في التعليقات!
-يعبر هذا المقال عن رأي الكاتب وحده، ولا يعبِّر بالضرورة عن رأي موقع «سعودي جيمر»-