مع انطلاق أجهزة الجيل الجديد أصبح التركيز أكبر وأعمق وأكثر صعوبة في تطوير ألعاب AAA والتوقعات التي ينتظرها الكثيرون، حيث كما تعلمون يتوقف نجاح الأجهزة المبكر على الإقبال على الألعاب الأولى الصادرة مع هذه الأجهزة، وإن كانت الأشهر اللاحقة مخيبة للآمال سيؤثر ذلك على مبيعات تلك الأجهزة بشكل جوهري. لقد لاحظنا في الآونة الأخيرة بأن معظم الشركات تقلل من تركيزها في تطوير ألعابها الكبيرة والتي تحتاج إلى ميزانيات ضخمة جداً ولدينا مثال حديث بتمثل في قرار Ubisoft الأخير أنها لن يعتمد على ألعاب AAA فقط وإنما سيكون هناك خلطة منوعة بينها وبين الألعاب المجانية، رغم الأنباء التي ظهرت العام الماضي بأن يوبيسوفت يبدو أنها تعمل على ثلاثة مشاريع من تصنيف AAAA – ألعاب بميزانيات ضخمة لم يسبق لها مثيل.
مما لاشك فيه بأن هناك العديد من الشركات الكبيرة والمعروفة والتي تمضي قدماً في هذه الصناعة وتريد أن تقدم المزيد من الألعاب المندرجة ضمن ألعاب فئة AAA فلدينا فريق Sony London Studio الذي يعمل على مشروع ضخم AAA سيضم عناصر أونلاين، أيضاً لدى استوديو Crytek مشروع ضخم قد يكون لعبة تصويب في عالم مفتوح من نوع AAA. ونخص بالذكر استوديو Remedy الذي أمتعنا بلعبة Control لديه عدة مشاريع قيد التطوير – اثنان منها يجريان بعالم واحد!
نلاحظ بأن المشاريع كثيرة وسنسمع المزيد عن مشاريع ضخمة قادمة في المستقبل القريب خاصة مع انطلاق أجهزة الجيل الجديد، ولكن يبقى السؤال ما الذي يدفع بكبرى الشركات أحياناً للهرب من صناعة ألعاب AAA؟ في هذا المقال سنسلط الضوء على المشاكل والصعوبات التي يواجهها المطورون أثناء العمل على الألعاب القوية من تصنيف فئة AAA في طريقة موجزة بعض الشيء.
استغراق الوقت الطويل في عمليات تطوير اللعبة
تستمر ألعاب الأندي الصغيرة بملء السوق الإلكترونية على نحو ثابتٍ تقريباً، ويقدم معظمها تجارباً استثنائية وآلياتِ لعبٍ ذو أفكارٍ جديدة، بينما يعاني مطورو الألعاب القوية والضخمة من فئة AAA في عمليات التطوير التي تأخذ منهم وقتاً طويلاً للغاية قد يصل إلى بضعةِ سنوات، حيث يجب عليهم أن يختبروا كل شيء حول اللعبة التي يعملون عليها وكمثال على ذلك لعبة Grand Theft Auto المنتظرة حيث يقوم المطورون بتدقيقها لفترةٍ طويلة جداً لأن أبسط خلل في لعبة مثلها سيأخذ حجماً أكبر من حجمه بين أوساط اللاعبين ويسبب الكثير من النقد والخسائر للشركة المطورة والناشرة على حدٍ سواء.
إنَّ العوالم المفتوحة الكبيرة والغنية بالمحتوى كالمهمات الجانبية الممتعة ضمن بيئات وأجواء خلابة، هي أكثر العوامل التي يركز عليها معظم فرق التطوير كلما استمر التطور التقني في العالم، ولكنها بالمقابل تتطلب الكثير من الوقت للعمل عليها.
على سبيل المثال، جلبت لعبة The Legend of Zelda: Ocarina of Time عام 1998 مع شخصية “Link” الغنية عن التعريف عالماً مذهلاً لاستكشافه عندما أخذتنا في رحلة لهزيمة الشرير “Ganondorf”، فقد تملّكت آنذاك اللاعبين مشاعرُ الروعة والانبهار أثناء التجول في عالمها الواسع على الرغم من قلة المهمات الجانبية ولكن الانجذاب الكبير للطبيعة المفتوحة لهذا العالم أثبت وجود حاجة ماسة في ذلك الوقت إلى تصميم ألعاب غير سردية أو خطية دفعت الصناعة بأكملها إلى التركيز على هذه الجزئية.
ومن جهة أخرى، توجد ألعابٌ تعتمد على سرد القصة مثل Uncharted و Max Payne و Persona، تتم في الغالب صياغة قصتها بشكل أفضل من ألعاب العالم المفتوح وتتميز بالقدرات الرسومية المبهرة في معظم الحالات إلا أن نهجها السردي المحدود في تصميم المراحل يجعلها منطقياً تحتاج لجهد أقل من العناوين ذوات العوالم المفتوحة، رغم ذلك، تُبنى ألعاب مثل هذه على أساساتٍ مذهلة تحرص على تصميم جميل للشخصيات وحواراتٍ إبداعية حملت السلسلة إلى قمة ألعاب AAA، ولم يمنعها نظام أسلوب اللعب البسيط من تحقيق الهدف المرجو دون الحاجة لإضافة مزايا أسلوب لعب كبيرة مثل نظام تخفي وغيره، ففي هذه الحالة يستطيع اللاعبون اللجوء إلى عناوين أخرى تركز أكثر على آليات التخفي مثل سلسلة Metal Gear وبالتالي يتم توفير مصادر التطوير بتجنب العمل على إضافات غير ضرورية ومكلفة تضيف إلى عملية التطوير المزيد من الوقت والجهد.
إن الضغط الكبير على المطورين من قبل عشاق ألعاب AAA ممكن أن يكون حافزاً كبيراً لتحقيق أهدافاً أعلى والتفاتاً أكبر للتفاصيل الصغيرة خلال عمليات التطوير الطويلة لهذه الألعاب الهائلة، لكن الحال لم يكن كذلك مع Last of Us Part II و Cyberpunk 2077 حيث أدى الضغط الكبير من العشاق والشركات الناشرة إلى بعض المشاكل أو القيود في عمليات التطوير والتي أدت بدورها إلى تجميد وتعطيل عمل فريق التطوير بعض الشيء. إن الجري وراء الكمال في صناعةٍ لاترحم مثل صناعة ألعاب الفيديو قد تكون مهمةً أكبر وأصعب مما نتخيله، ولا يمكن لكثير من الشركات تحقيق ذلك الهدف، فإن النقد والتدقيق الشديد على عمل فيه بعض الشوائب ولم يحقق الطموحات المرجوة ممكن أن يكون كارثياً وقاسياً على الشركات المصنعة لهذا العمل.
عندما تأخذ الألعاب المزيد من الوقت في عمليات التطوير فإنه من الطبيعي أن يزيد الحماس تجاهها والانتظار لموعد إطلاقها، ومع أن مثل هذه الألعاب عادةً ما تكون ذات جودة عالية بالفعل إلا أنها عندما تصدر للأسواق لن تتمكن من الوصول إلى توقعات اللاعبين مهما كانت جيدة. ومن وجهة نظر المطور، إذا استطاع الوصول إلى الجودة التي يسعى إليها في نهاية المطاف فلا داعي لتركها قيد التطوير لفترة أطول مما يجب.
فمثلاً لعبة Uncharted تبنى على أساساتٍ مذهلة وتملك نظام تطورٍ حميمي للشخصيات وحواراتٍ إبداعية حملت السلسلة إلى قمة ألعاب فئة AAA. مع انتهاء قصة نيثان دريك في الجزء الرابع للعبة انتشارتد فمازال اللاعبين حتى الآن يبنون آمال كبيرة ويطالبون في توفير جزء جديد بعيداً عن قصة نيثان دريك وهناك إشاعة تتحدث أن الجزء الجديد للعبة Uncharted سيعود بنا للثمانينات.
منهجية الاستمرار بالتطوير أو الإلغاء الكامل للمشروع
إن نجاح العنوان الضخم التالي لاستوديو مسألةٌ حساسةٌ للغاية ومرتبطة بنجاح الاستوديو نفسه في المستقبل، وإيصال التجربة الجيدة والمميزة القريبة من الألعاب التي تشابهها في النمط أمرٌ لا يمكن تجاهله لضمان وجود المطور واستمراره في السوق.
إنَّ استوديوهات التطوير التابعة لشركات كبيرة (استوديوهات الطرف الأول) رغم أنها مستقرة مادياً أكثر من غيرها لكنَّ الضغط الشديد عليهم من الشركات الناشرة الكبيرة ليس شيئاً يستهان به على الإطلاق، حيث تقوم شركات مثل سوني و مايكروسوفت معاً بالضغط عليهم بشكل شديد لتحقيق أهداف المبيعات المتوقعة والذي يسبب الكثير من الضغط النفسي على مدراء استوديوهات التطوير.
فمسيرة God of War الشهيرة نحو القمة مثالٌ يحتذى به، وكان الجزء الأخير تحفةً فنيةً بحق، أثمرت بعد جهدٍ مضني شديد من الاستوديو الموقر Sony Santa Monica، لكن رغم ذلك لو كان العنوان الشهير من عام 2018 مجرد جزء عادي مثل God of War: Ascension لكان من الممكن أن تُلغى عملية التطوير بالكامل أو من الممكن حتى إغلاق أبواب الاستوديو نفسه.
مما لاشك بأن محيط صناعة ألعاب الفيديو قاسٍ لايرحم أحداً، حيث أنَّ وجوب تدقيق كل تفصيلٍ في اللعبة باستمرار يمكن أن يؤثر بشكل كبير على جودة العمل الذي قد يستغرق سنواتٍ لإتمامه.
منهجية تحويل الألعاب لسلاسل من الأجزاء
مع استمرار صدور الألعاب ووصولها لجميع شرائح اللاعبين حول العالم وتجربتهم لعجائب التسلية الرقمية التفاعلية، تزيد الحاجة لإبهارهم أكثر فأكثر من خلال ألعاب AAA التي يأملون منها جلب تجربةٍ مختلفةٍ تماماً، وذلك قد يدفع بالمطور إلى التفكير بتحويل لعبته AAA إلى سلسلة من الألعاب، حيث تستمر القصص الجديدة الموجودة في السلاسل الشهيرة في جذب مزيدٍ من اللاعبين، بل لفت النظر إلى المكانة القديمة القوية لبعض الألعاب وهذا ليس شيئاً سيئاً أبداً وإنما يقلل من الحاجة للترويج لكون الجزء الجديد ليس عنوان جديد بالكامل وغير مألوف، لكن بالمقابل استخدام سلاسل الألعاب الموجودة مسبقًا لفعل ذلك قد يلحق الضرر في تطوير سلاسل جديدة بالكامل من الألعاب تنتظر دورها.
حيث بعض القصص الجديدة لا يمكن أن تنحصر في إصدارٍ واحد، وإنَّ تطوير سلسلةٍ ملحمية تمتد على بضعة سنوات تجمع حولها قاعدة من العشاق المخلصين، ولقد كان الانتظار الطويل لتجربة الفصل الجديد في رحلة “Kiryu” جزءاً جوهرياً في قصة “Yakuza ” وقدم للاعبين متعة إضافية عند طرح نظريات تفسيرية لأحدث القصة ولكنَّ استخدام السلسلة كوسيلة لجلب لاعبين جدد يمكن أن يتجاوز مسألة الرضى للاعبين العائدين إلى السلسلة.
حيث أنَّ ألعاباً كبيرة مثل Bioshock Infinite و Assassins Creed Origins و Infamous Second Son و Watch Dogs 2 جميعها ألعابٌ انحرفت عن القصص السابقة المطروحة في السلسلة، رغم أنها حملت تجربةً استثنائية متميزة في وقتها، لكن الانحراف في بعض الأحيان قد يكون أسوأ للاعبين والميزات الجديدة غير كافية لإرضائهم وهو ما يجعل من منهجية التفكير بأجزاء جديدة للعبة واحدة وأحيانًا ضرورتها لإكمال سرد قصة طويلة مخيف وغير مضمون النجاح، فمثلاً الانحراف بقصة “Cole” في “Infamous Second Son” كان مخيباً للأمل لعشاق السلسلة الذين عرفوا الجزئين الأول والثاني فيها. ولذك فإن بناء شيءٍ جديد تماماً في سلسلةٍ مشهورة وقديمة قد يجلب النفور لعشاقها بنفس النسبة التي يجذب بها لاعبين جدد لها.
شُح الابتكار في العناوين الضخمة
إن الوقت اللازم لعمليات تطوير ألعاب AAA يزداد باستمرار مع تطور التقنيات، لذلك سياسة العمل بأمان يتم تطبيقها للتأكد من ثبوتية عمليات البيع وأن الطرف المستلم راضٍ عنهم. إن العملية الطويلة لتطوير الألعاب الضخمة متصاحبةً مع الضغط الهائل المترتب على نجاح الألعاب يخنق إمكانية الابتكار الموجودة لدى مطوري هذه الألعاب بالفعل، ولذا تجد بعض اللاعبين يبحثون عن ألعابٍ أصغر ذو ميزانياتٍ منخفضة لإيجاد التجربةٍ الفريدة المنعشة التي يبحثون عنها.
ولكن هذا الواقع لا يعتبر تبريرًا للمطورين في تركيزهم على النجاح التجاري للألعاب دون وجود أفكار ابتكارية عالية الجودة، حيث لدينا كمثال لعبتين AAA ناجحتان للاستوديو العملاق Rockstar وهما لعبتي Red Dead Redemption و Grand Theft Auto ، ففي آخر إصدارٍ منهما حققتا نجاحاً باهراً رغم أنهما خرجتا عن المعتاد بعض الشيء، والقصة لم تشعرنا أنها مرتبطة بلعبة عالمٍ مفتوح عادةً ما تكون قليلة الابتكار كما ذكرنا، وتلقت كميات مدح هائلة من اللاعبين والنقاد على حدٍ سواء وكميات المبيعات الهائلة التي حققتها اللعبتان جعلت الجميع يشجع فكرة الابتكار والتشجيع على كل ما هو جديد، فعندما تتغير سياسة شركة كبيرة رائدة في صناعة ألعاب الفيديو مثل Rockstar لماذا لا تقوم الشركات أو الاستوديوهات الأخرى بفعل نفس الشيء والتشجيع على الابتكار؟
في الختام … دون وجود تنافس بسوق ألعاب AAA سيعود مستوى ألعاب الفيديو إلى الوراء كثيراً، ولابد من استمرار وجود شركات عالمية مثل Ubisoft, Rockstar, Naughty Dog و Blizzard وغيرها الكثير بات أمر جوهري وهام لاستمرارية الترفيه الإلكتروني رفيع المستوى، وعلى الرغم من أن صناعة ألعاب الفيديو سمحت وأعطت الفرصة لألعاب الأندي التي يملك معظمها أفكاراً جديدة متميزة، لكن مستقبل ألعاب الفيديو لا شك يقع على عاتق الاستوديوهات الكبيرة المنتجة لألعاب فئة AAA. وهل تعلم أن صناعة الألعاب تساهم بأكثر من 90 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي
إن إعادة المعايرة لعملية التصميم في هذه الألعاب الهائلة يعتبر مهمةً عملاقة لايمكن تنفيذها دون جهد كبير ومن عدد كبيرٍ من المطورين ذو الخبرة الرفيعة، لكن اتخاذ خطوات عملية مثل تقليص عدد الساعات اللازمة لتطوير الألعاب وابتكار الأفكار الجديدة التي لن تهدد بسقوط الشركة إن لم تنجح، والاعتماد على القصص المتعددة لتناسب جمهور تلك السلاسل سيوفر بالتأكيد صورة إيجابية أكبر لمحيط ألعاب فئة AAA وجميع الألعاب على حدٍ سواء في المستقبل.
وستبقى ألعاب فئة AAA السبب الرئيسي الذي نصرف أموالنا عليها، وجميع من قام باقتناء أجهزة PS5 و Xbox Series X لم يقم باقتنائها فقط لأنها قد تبدو جميلة المظهر من الخارج، فكلنا نطمح لرؤية مميزات الجيل الحديث من ألعاب فئة AAA ذو الرسوم والمرئيات الخلابة مع أسلوب لعب استثنائي جديد يقدم لنا التجارب المثالية والأفكار المثيرة الجديدة التي نبحث عنها دائماً، فمجتمع اللاعبين لايرحم إذ أنه مجتمع متطلب يبحث دائماً عن اللعبة الجديدة والجميلة في قصتها، فكرتها، أسلوبها، شخصياتها، مستقبلها، ودون ذلك فقيمة اللعبة تساوي الصفر. وهذا يبدأ من تعديل أسلوب تصميم الألعاب الضخمة من أجل تحقيق توقعات اللاعبين.