في الآونة الأخيرة لاحظنا ارتفاع بعض الأصوات التي تشتكي من ارتفاع تكاليف تطوير الألعاب والكلام جاء من أعلى المستويات فمثلا رئيس بلايستيشن Jim Ryan ذكر شخصيا بأنه يتوقع ارتفاع تكاليف تطوير الألعاب الضخمة على PS5، بعد ذلك تم نشر تقرير من وكالة IDG Consulting تتحدث فيه عن أن تكاليف إنتاج ألعاب الجيل الحالي ارتفعت ما بين 200 إلى 300 في المئة.
حتى شون لايدن المسؤول السابق في بلايستيشن اشتكى من ارتفاع تطوير الألعاب وقال بأن سعر الألعاب مازال 60 دولار منذ وقت طويل رغم ارتفاع تكاليف التطوير بشكل هائل معتبراً بأنه يجب أن يتم اتباع سياسة تسعير أكثر مرونة بألعاب الجيل المقبل.
طغيان ألعاب العالم المفتوح
بالجيل السابق أي جيل بلايستيشن 3 واكسبوكس 360 كانت ألعاب التصويب هي الجنرا السائدة، لكن بالجيل الحالي حدث تحول كبير نحو ألعاب العالم المفتوح لأنها باتت الأكثر طلباً من اللاعبين.
هنا بات المطورون يجدون أنفسهم مضطرين لتلبية توجهات اللاعبين نحو ألعاب العالم المفتوح لأن اللاعب يرى بأن هذه الألعاب مع عدد ساعاتها الطويل بمهام كثيرة هي ما تستحق الـ 60 دولار ويفضلها على ألعاب خطية بساعات 15 إلى 20 ساعة فقط. وهذا يعرض بعض المطورين للخطر بسبب عدم شراء اللاعبين لألعابهم ذات القصة الخطية وساعات اللعب القصيرة مما يجعلهم يبتعدون عن تطوير هذه الألعاب. وبالفعل رأينا بأن هناك ألعاب وجدت نفسها مضطرة لمسايرة موجة العالم المفتوح والأمثلة على ذلك كثيرة كلعبة ميتال جير فانتوم بين وذا لاست أوف أس 2 التي كادت تكون بعالم مفتوح.
وقد حذر شون لايدن من خطورة هذا الأمر حيث أعرب عن مخاوفه من استمرار ارتفاع تكاليف التطوير مع الجيل المقبل حيث يمكن أن ترتفع ميزانية تطوير الألعاب الضخمة AAA من 80 مليون دولار إلى 150 مليون معتبراً بأنه سيصعب على ألعاب المغامرات أن تستهدف عدد ساعات لعب بين 50 أو 60 ساعة لأن هذا سينجم عنه ارتفاع بكلفة التطوير.
وإذا باتت هذه الألعاب هي المعيار فإن لايدن يتوقع أن ذلك سيهدد بإغلاق بعض الاستوديوهات وخسارة المبدعين فيها لعدم قدرتهم على مجاراة ذلك. وهنا دعا للعودة لنظام تقديم ألعاب ضخمة مع تجربة عميقة بمحتوى مركز وجذاب أكثر تتراوح بين 12 إلى 15 ساعة لعب كما كان الحال أيام بلايستيشن 1 و2 فبدلاً من قضاء خمس سنوات بتطوير لعبة عمرها 80 ساعة لم لا يتم قضاء 3 سنوات فقط وتقديم لعبة بخمسة عشر ساعة لعب وتقليل الميزانية بشكل كبير؟.
كثرة الموظفين وزيادة أجورهم
بما أن ألعاب العالم المفتوح والأربي جي أصبحت مطلب أساس من اللاعبين فهذا حتم على الشركات المطورة توظيف الكثير من المصممين والفنانين والكتاب والمبرمجين لتصميم المهام الرئيسية للقصة والمهام الجانبية وتصميم المراحل فهنالك عدد كبير يساهم في العمل على ألعاب AAA مثلاً هنالك آلاف الموظفين مشاركين بتطوير Assassin’s Creed وعدد مطوري GTA V بلغ 1000 موظف هذا العدد الكبير مع لعبة تستغرق بالتطوير 3 سنوات أو أكثر يعني أن الشركة ستدفع أجور لكل هؤلاء على مدار أشهر كثيرة جداً.
إذاً فأعداد العاملين بتزايد فالتحول لألعاب العالم المفتوح يفرض وجود موظفين أكثر يعملون على إتمام هذه الألعاب الضخمة. وفوق ذلك فإن أجر هؤلاء ازداد بشكل كبير بالسنوات الأخيرة.
التقدم التقني
مع تطور أجيال الأجهزة المنزلية تزداد التقنيات المستخدمة في التطوير تعقيداً أكثر فأكثر بحيث بات المطورون بحاجة لمعدات ومحركات أفضل وتخصيص ميزانية أكثر لتحسين أدوات التطوير وتوظيف مهندسين ومبرمجين يتعاملون معها من أجل تقديم المزيد من التفاصيل للبيئات وللمظهر التقني العام للألعاب من ظلال وإضاءة ومؤثرات خاصة. فاستغلال قدرات الأجهزة يحتاج لخبرات وعمل مكلف بالفعل.
إذاً فتطور التكنولوجيا والمعدات اللازمة للتطوير وتطور الرسومات والمستوى التقني للعبة وخصوصاً استهداف 4K مع تقنيات تتبع أشعة وتطوير يخص مستشعرات Dualsense وخلافه وكل هذا يتطلب وقت ومجهود إضافي ويرفع أكثر من التكاليف على الاستوديوهات.
حتى رئيس بلايستيشن Jim Ryan سبق وتحدث عن أن تطوير لعبة من نفس المستوى الذي رأيناه في ديمو أنريل 5 على بلايستيشن 5 يتطلب موارد وإمكانيات كبيرة وبذل المطورين جهود أكبر، وهذا سينتج عنه ارتفاع في تكاليف تطوير الألعاب بالجيل المقبل. وأضاف بأنه مع تطور الرسومات واقترابها من الواقعية فالألعاب بحاجة للمزيد من المطورين وبالتالي ستزداد الكلفة وسيكون هنالك حاجة لزيادة الميزانية.
السينمائية وتوظيف الممثلين
يرى العديد من اللاعبين بأن السينمائية أصبحت جزءً لا يتجزأ من تقديم أي تجربة قصصية عميقة وباتوا يطالبون بها لزيادة تفاعلهم وانغماسهم أكثر بالقصة وأصبح هنالك بالفعل شخصيات ارتبطنا بها كثيراً بسبب المشاعر التي ولدتها لها جلسات الالتقاط الحركي. والعديد من الشركات تحاول إرضاء اللاعب من خلال توظيف الممثلين الحركيين ومؤدي الأصوات لإلتقاط تلك المقاطع لتوفير تحركات وتعابير وجه واقعية.
هذا التوظيف يرهق أكثر كاهل ميزانية التطوير كيف وأن بعض الشركات توظف ممثلين مشهورين للمشاركة في تأدية أدوار الشخصيات المهمة بألعابها مثل نورمان ريديس الذي شارك في ديث ستراندنج وألعاب أخرى غيرها. طبعاً المطور يستفيد من وجود هذا الممثل المشهور للترويج للعبته كما رأينا مع ظهور كيانو ريفز في حدث اكسبوكس بعد عرض سايبربانك 2077 ليعلن بأنه أحد المشاركين فيها لكن يبقى السؤال كم قبض ريفز لقاء هذه المشاركة من سي دي بروجكت ريد؟
الاستعانة بأشخاص خارج نطاق الصناعة
لم يعد تطوير اللعبة كما السابق يقتصر على المصممين والمبرمجين والمهندسين التقنيين فقط بل تداخلت الاختصاصات وفي أحيان كثيرة يتم الاستعانة بأشخاص لا علاقة لهم بصناعة الألعاب. بعض الألعاب تحتاج على سبيل لمثال لخبراء في التاريخ أو في الرياضة أو الفنون القتالية.
فشركات تطوير الألعاب تعمل على محاكاة الواقع بشدة لمنح اللاعبين تجربة أفضل ومعايشة أعمق لأحداث اللعبة، فعلى سبيل المثال يستعين مطورو الألعاب الرياضية برياضيين حقيقيين للتعرف عن قرب على حركاتهم ومهاراتهم وطرق لعبهم في الواقع لتضمينها في ألعابهم.
وفي بعض الألعاب التي تتضمن قصصًا تاريخية تمت الاستعانة بخبراء في التاريخ من ثقافات متعددة لضمان منح اللاعبين تجربة مميزة تتماشى مع ثقافتهم مثل يوبيسوفت التي استعانت بمؤرخين للحصول على معلومات حول حقبة الفايكنج أثناء العمل على لعبتها أساسنز كريد فالهالا. كذلك سوني استعانت بمختصين بالفنون القتالية والمبارزات أثناء العمل على شبح تسوشيمأ. وهؤلاء الأشخاص دون شك سيحصلون على مبالغ كبيرة لقاء خدماتهم.
جشع المدراء ورواتبهم الباهظة!
وكأن كل هذه الأسباب التي عددناها أعلاه ليست كافية لتثقل كاهل ميزانية التطوير حتى يضاف إليها بند رواتب كبار المسؤولين، نعم كما سمعت… فإن ما يتقاضاه مدراء كبرى شركات النشر قد يصل لأرقام لا يتخيلها عقل وكأنهم نابغة عصرهم وزمانهم ولا يعوضون فيجب الحفاظ عليهم!
ومن أفضل من أكتيفجن و EA لنضرب بهم المثل هنا فمؤخرا انتشر تقرير عن استياء المستثمرين من ما يتقاضاه رئيس أكتيفجن وقالوا بأن يأخذ أكثر مما يستحق، من ثم سمعنا أصوات مشابهة ضد كبار الموظفين في EA الذين يحصلون على علاوات ومكافآت مضاعفة حتى بالوقت الذي يكون فيه أداء الأسهم بالأسواق دون المستوى. وفوق هذا يتم طرد الموظفين والمطورين من الاستوديوهات وبعد أشهر يتم صرف مبالغ طائلة للمسؤولين. على سبيل المثال في عام 2018 حصل Bobby Kotick رئيس أكتيفجن على راتب 30.8 مليون دولار. وفي أوائل 2019 تفاجأنا بأن الشركة نفسها طردت أكثر من 800 موظف.
وفي عام 2017 أثار يوتيوبر يدعى SuperBunnyHop قضية الثروات الطائلة لرؤساء الشركات وكيف أنهم يودعون الأموال ببنوك خارجية تهرباً من الضرائب وهم يشتكون بشكل دائم من ارتفاع تكاليف التطوير.
تكاليف التسويق باتت تلتهم القطعة الأكبر من كعكة ميزانية التطوير
هذا ما لاحظناه من خلال مراقبة الأرقام لميزانية التطوير لعدد من الألعاب الأعلى كلفة بتطويرها حيث لوحظ ارتفاع تكاليف الدعاية والتسويق عن السابق حتى بات يوازي أو يتفوق على تكاليف التطوير نفسه. فلعبة مثل Call of Duty: Modern Warfare 2 كلفت كتطوير 50 مليون دولار أما تسويقها فكلف 200 مليون، أما Destiny التي ضرب رقم قياسي في كلفة التطوير فأنفق عليها 500 مليون دولار بين تطوير وتسويق. ولكم أن تتخيلوا بأن كلفة تطويرها بشكل كامل كانت فقط 140 مليون دولار فيما استنزفت باقي الميزانية لعمليات التسويق أو الإشهار والإعلان عن اللعبة بشتى الطرق المختلفة التي يتبعها الناشر كالإعلان عنها بالمواقع أو وضع لافتات كبيرة ومضيئة بالشوارع وعروض سينمائية كثيرة لها. أما GTA V فقد بلغت ميزانيتها 265$ مليون دولار حيث كانت تكلفة تطوير اللعبة وحدها حوالي 137 مليون دولار وأما عن تكلفة قسم تسويق اللعبة فكان حوالي 128 مليون دولار .
كلفة تطوير الشخصية الواحدة ارتفعت بشكل كبير
إذا استغربتم من ارتفاع كلفة التطوير لتلك الألعاب عليكم أن تعلموا بأن جزء أساسي من المبلغ المرصود للتطوير يذهب إلى تطوير الشخصيات، فالاستوديوهات باتت تولي أهمية كبرى للشخصيات بألعابها لأنها تكون أحيانا عنصر هام يجعل اللاعب مرتبط باللعبة وقصتها.
لكن كم تبلغ تكلفة تطوير شخصية واحدة بألعاب الفيديو؟ المطورة Kim Swift التي شاركت بالعمل على ألعاب Portal – Left 4 Dead – Quantum Conundrum سبق وأن أجابت على هذا السؤال حيث ذكرت كيم أن عملية تطوير الشخصية تمر بمراحل عدة أولاً الرسوم الفنية لشكل الشخصية من ثم تصميمها بشكل ثلاثي الأبعاد كمجسم، بعده يتم العمل على الأنيميشن وتحريك الشخصية بعد ذلك يأتي مرحلة كتابة الأكواد ثم مرحلة الأداء الصوتي ثم تصميم آليات القتال التي تتمتع بها ثم أخيرا الصوتيات والتأثيرات التي ستصنعها هذه الشخصية.
لكل مرحلة كلفة خاصة كما يلي:
- الرسوم الفنية وتصميم الثلاثي الأبعاد يكلف 3 آلاف دولار ويستغرق أسبوعين
- عمليات الأنيميشن تكلف أيضاً 3 آلاف دولار وتستغرق أسبوعين
- عمليات البرمجة أي ضبط أوامر الحركة بحيث تستجيب الشخصيات للأمر الذي يتم إعطائه من قبل اللاعب ومن ثم عمليات تصميم المؤثرات الصوتية وتأدية الأصوات من الممثلين وتركيبها قد تستغرق حوالي 3 أشهر لتطوير شخصية واحدة. والتكلفة حتى نهاية هذه العمليات بحسب تقديرات Kim Swift هي 5 ألف دولار.
- بعد إضافة كلفة الأجهزة التي سيعمل عليها الإستوديو وصيانتها ومصاريف المكاتب وكل شيء فإن المبلغ النهائي لتطوير أي شخصية هو80 ألف دولار.
إذاً هذا المبلغ الطائل 80 ألف دولار هو تكلفة صناعة شخصية واحدة فقط فتخيلوا كم شخصية توجد بالألعاب وكم تبلغ الكلفة النهائية. وما يؤكد كلام المطورة هو إعلان مطور Crowfall عندما كانت لعبته بمرحلة تلقي الدعم عبر كيك ستارتر فحينما طالب اللاعبون بإضافة شخصية أساسن ذكورية وضع هدف لتحقيق هذا الأمر بنحو 70 ألف دولار أي أنه لتطوير شخصية واحدة إضافية يحتاج المطور لهذا المبلغ.
كلمة أخيرة
بالختام كل تلك العوامل التي ذكرتها أعلاه اجتمعت وساهمت بشكل كبير برفع كلف التطوير لمستويات كبيرة تسببت في تذمر بعض الشركات وحتى أنها أودت لإغلاق الكثير منها بعد أن داهمها شبح الإفلاس. تداعياته انعكست على ابتلاء الصناعة بحمى المشتريات الداخلية وصناديق الغنائم التي تعطي اللاعب مجموعة عشوائية من الأدوات على مبدأ كل واحد ونصيبه، ونموذج ادفع لتربح مثل الدفع للحصول على عملة خاصة داخل اللعبة تمكنكم من الوصول إلى مجموعة حصرية من الأسلحة والموارد تمنحك أولوية باللعب.
وكل هذا لتعويض بعض كلف التطوير الباهظة لقاء الحفاظ على سعر ثابت للألعاب. ولجوء آخرين لألعاب الأونلاين التي لا تتطلب الكثير من الإبداع أصلاً، مجرد فكرة أساسية والتغيير بعد ذلك يكون في تصميم الخرائط وإضافة بعض التحسينات وعناصر اللعب التي يمكن تطويرها في وقت قصير نسبيا وطرحها عبر تحديثات بعد صدور الألعاب وعلى مدى طويل.
يمكن القول بأن ارتقاع ميزانيات التطوير وضعت المطور أمام خيارات محدودة فإما يتوجهون لمفهوم الألعاب المقدمة كخدمة أو التركيز على ألعاب الأونلاين أو طرح الألعاب القصصية على هيئة حلقات لتحصيل الأرباح بشكل مبكر وتدريجي لإكمال عملية التطوير لما تبقى من المحتويات التي تصدر في وقت لاحق، أو يتم اللجوء لرفع سعر الألعاب وهو أمر بدأنا مؤخراً نسمع أصوات تنادي به كأن يتم رفع سعر ألعاب الـAAA ذات التكاليف الضخمة من الـ60 دولار حتى الـ 70 دولار لأن هذا السعر أصلاً الذي يدفعه اللاعب سيتجزأ إلى مبالغ تصل إلى أصحاب المنصات مثل سوني ومايكروسوفت وستيم وغيرهم ومبالغ تعوض تكاليف التسويق والنشر ومن ثم يذهب الباقي إلى الشركات التي قامت بتطوير تلك الألعاب مما يجعل الرفع من الأسعار فكرة مغرية.
وأخيراً نود أن تشاركونا النقاش حول أسباب ارتفاع كلفة التطوير وتداعيات ذلك على صناعة الألعاب، أتوافقوننا بما ذكرنا أعلاه أم لديكم آراء أخرى؟