قبل سنوات عديدة أتذكر ولد خالتي يلعب قدامي ماريو وكان كلما مر عند أنبوب انحنى للأسفل عشان يدخل، كنت استغرب إصراره مع كل أنبوب ينحني ؛ لأني كنت أرى أسرع له يتعدى الأنبوب وينهي المراحل و “يختم” اللعبة وختم اللعبة كان الهدف الرئيسي والأوحد بذيك الأيام، ما كان يوجد نظام إنجازات زي Trophies و Achievement يكافئك وتتباهى فيه أمام أصدقائك ويحفزك تنهي اللعبة، كنا نادرا نجد لعبة تستحق عناء الختمة الثانية أو البحث والتجميع لنفس اللعبة، بالنهاية أمه طلبت منه “يضف عفشه” لأن أبوه جاء، بعدها بأسبوع تقريبا أعاد نفس الكَرَّة لكن هذي المرة اقترحت عليه ترك الأنابيب، تكرر السيناريو لكن على الأقل وصل لمرحلة متقدمة.
لما اسأل نفسي الآن ليه كان عنده هذا الهوس بالاستكشاف مع أنه كان يقدر ينهي المراحل بسرعة بدونه؟، أجد إجابة واحدة بسيطة:
البشر عامة بطبيعتهم فضوليين من أكثر الأشياء المحبوبة عندنا معرفة المجهول، والألعاب موجودة لغرض واحد وهو “المتعة”، وإثارة الفضول ثم إشباعه عندنا بالبحث عنه هذا من أمتع الأمور عندنا يالبشر، سواء كان هذا المجهول تافها أو مُهِما نجد إثارة فيه، مجرد ما يجد الناس صبغة المجهول على شيء حتى يتكالبوا على معرفته وإشباع فضولهم.
تتبين لنا هذي الحقيقة في لعبة الأطفال العالمية والموجودة قبل وجود ألعاب الفيديو، هذي اللعبة كل الأطفال اللي جربوها كانوا مستمتعين فيها لأقصى حد وصالحة بأي زمان هذي اللعبة هي “الغميضة”، اللعبة لها أسماء كثيرة بتعدد اللغات واللهجات، اللعبة قائمة على عنصر واحد فقط، شخص يختبئ (وهنا إثارة الفضول) وشخص آخر يبحث عنه (يشبع فضوله)، هذي اللعبة على مدى التاريخ كانت قائمة على الاستكشاف.
في عالم ألعاب الفيديو أجد من أعلى مراتب النجاح فيها هو النجاح بعنصر الاستكشاف عامة، وأقول عامة لأن البعض يحصر كلمة الاستكشاف الضخمة بشيء واحد وهو استكشاف البيئة والأمور اللي يحصلها منها مثل الفلوس أو الدروع أو أسلحة…إلخ من هذي أمور التجميع البسيطة
صحيح هذا هو اللي يتبادر لأذهان الكثيرين لما يسمعون هذه الكلمة، لكن الاستكشاف أعمق وأكبر من أن يحصر بهذا الشيء، فيه أشكال عديدة للاستكشاف.
أول شكل هو ما ذكرته بالبداية استكشاف البيئات: من الضروري تكون بيئات جميلة ومتنوعة وتسحر عيون اللاعب عشان يكمل استكشافه لبيئات أخرى، ومن شخص لشخص تختلف الأذواق بالبيئات.
استكشاف البيئات عبارة عن تأمل في إبداع المطور بعالم اللعبة، أتذكر أول جزء من سلسلة Assassin’s creed كنت ألعب فيه ساعات مجرد استكشاف للأماكن التاريخية اللي فيها، كان شيء يحبس الأنفاس وأنا استكشف المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وأتنقل من زاوية لزاوية أخرى عشان أشاهد أكبر كمية تفاصيل ممكنة عن هذي البيئة.
البيئات لا تقتصر على أماكن فقط فيه أمر مهم وهو الكائنات الموجودة حولها سواء أعداء أو حيوانات أو بشر طبيعين، وهنا يبرز نجاح المطور بجعلك تتفاعل مع الكائنات المحيطة بك، لأنه عاجلا أو آجلا بتتشبع من رؤية المناظر اللي في اللعبة
وهذا تماما اللي نجحوا فيه Naughty dog في الجزء الثاني من سلسلة Uncharted بحيث تستيقظ بأحد قرى نيبال الجميلة المطلة على سلسلة جبال خلابة المنظر، الشيء الجميل هو تفاعل البطل نيثان دريك مع سكان هذي القرية يجعلك تشعر إن الشخص اللي يتفاعل معهم هو أنت تلقي التحية على الأشخاص الموجودين وتلعب مع الأطفال وتشوف تفاعلهم معك وكأنك فعلا برحلة سياحية تستكشف القرى هناك، تقدر تصل للموقع المطلوب بدقيقة تقريبا، لكن مع استكشافك للبيئة المحيطة بك عادي جدا تكون 10 دقائق ولو أضاف استديو Naughty dog تفاعل أكثر أجزم أنك راح تستمر أكثر، وهذا نفسه صار لي مع لعبة Brothers حيث تتفاعل مع سكان قريتك بشكل جميل ومرة تشوف وش الكبير يقول ومرة الصغير.
طيب لو كانت اللعبة ما تتضمن تفاعل مع الناس وجمال بيئاتها عادي هل تفشل بهذا النوع من الاستكشاف؟، طبعا لا فيه أمر آخر في استكشاف البيئة وهو الأشياء اللي تحصل عليها وتجمعها، حنا طماعين بالحياة الواقعية وحتى في الألعاب، أول ما نعرف إنه كلما بحثت في البيئات أكثر كلما حصلت على أشياء تساعدك باللعبة أكثر رحنا نستكشف
المثير للسخرية إننا أحيانا كثيرة نلقى أشياء مبهرة وقوية جدا تساعدنا في اللعبة لكن نقول “ماراح استعملها إلا بعدين” وتخلص اللعبة وحنا ما استخدمنا الأشياء اللي تعبنا بالبحث عنه، لكن مب مشكلة عندنا لأنه كانت عملية البحث بحد ذاتها ممتعة.
النوع الثاني من الاستكشاف اللي أبغى أتكلم عنه (وهو المفضل عندي) هو استكشاف نفس القصة وعالم اللعبة، ولا أقصد عالم اللعبة بالأماكن أقصد بالشخصيات والأحداث المتعلقة بنفس العالم والأمور المحيطة فيه، وهذا أُفضِّله لأنه يعطي اللعبة أبعاد أخرى تكون أكثر من مجرد حرك الكنترولر واضغط على الأزرار المناسبة
قبل سنة بدأت مع أحد أعز أصدقائي نلعب ثلاثية Resident evil الأولى، نلعبها سوى بنفس الوقت وندخل في بارتي تشات ونسولف وكأننا بجنب بعض، الفرق بينه وبيني هو خبير في اللعبة وأنا لا، كانت متعة كبيرة وهو يعطيني معلومات كاملة مفصلة عن العالم جعل القصة البسيطة أكثر تشويق ومتعة، وصرنا ندور التقارير ونقرأها بشغف، وإن كنت يا عزيزي القارئ ما قريت هذي التقارير فتجربتك للعبة مب كاملة.
فرق كبير بين إني أشوف مجرد جثة هامدة وبين إني أشوف جثة الشخص اللي كان يلعب شطرنج مع الحارس الفلاني وأغرته إمبيرلا وبدأ يتحول بدوره لوحش، أو أشوف جثة الأب اللي مات هو وبنته من اليأس اللي أحبطهم وأعرف تفاصيل أيامهم الأخيرة، حتى الشخصيات الحية مثل شخصية قائد مركز الشرطة في RE 2 هذا الشخص أول ما دخلت عليه جربت أطلق عليه بمسدسي لدناءته وخسته (يحتاج أذكر إنها ما فلحت ولا طلقة للأسف لكني شفته وهو يموت بكل سرور بعدين؟)
وهذا مثال واحد في لعبة واحدة، كم لعبة تسمح لك تستكشف عالمها وقصتها بشكل أكبر بكثير من الأشياء المطروحة عليك فَّرضًا بنفس اللعبة.
وميزة هذا النوع من الاستكشاف إنه ما ينحصر فقط باللعبة، تلقى معلومات برى اللعبة تستكشف القصة عن طريقها، لا أزال أستغرب من اللي يسمي نفسه “عاشق لسلسلة الألعاب الفلانية” ولا كلف نفسه عناء استكشاف “معشوقته” والاستمتاع بالتفاصيل الموجودة فيها.
وقد تنعكس العملية بهذا الاستكشاف قد تستكشف شيء من خارج عالم الألعاب في عالم الألعاب، تماما مثل ما صار معي مؤخرا ومع الكثير في لعبة Shadow of Mordor واللي هي قائمة على عالم Meddle earth في سلسلة روايات وأفلام Lord of The Rings، كنت أنا من اللي أحبوا هذا العالم ولعبوا Shadow of Mordor تقريبا أول ساعة ونصف من شغلت اللعبة ما كان فيها لعب إلا نص ساعة! الباقي كنت أقرأ أي شيء تطيح عيني عليه في اللعبة وأتعرف على هذا العالم.
أبذكر نوع أخير ونادر من أنواع الاستكشاف وهو الأجمل بينهم وهو اللي يحرك مشاعرك ويتلاعب فيها لكنه نادر…جدا نادر:
هو استكشاف الماضي بالحاضر، ماضيك أنت ياللاعب وماضي اللعبة في وقت واحد، أفضل لعبة طبقت هذا النوع كانت MGS4، يالله على تلك اللحظة اللي تدخل فيها جزيرة شادو موسيز وتبدأ ألحان MGS1 تشتغل، هذيك اللحظات قمة المثالية، ترى الأشياء اللي تفعلها وأنت صغير عفى عليها الزمن كما عفى على سنيك، تشعر بسنيك وهو يشوف شادو موسيز ويتحسر على شبابه وتحس نفسك بمكانه بعد كل شيء المفترض إنك لعبت MGS1 قبل 9 سنوات على الأقل من MGS4 وهذا فرق عمر مب سهل أبدًا، تستكشف المكان اللي كنت تلعب فيه وهو خاوي، تشوف الكاميرا المتعطلة الآن وتجيك ذكرى كيف كانت تمسكك، تدخل بمكان صارت فيه مكالمة ولا أحداث معينة ويشتغل نفس الصوت باللعبة وكأنها ذكرى تعرض في دماغك مب في اللعبة، هنا كمال الاستكشاف هنا قمة المتعة!
هذا مب محصور في MGS4 لكني ذكرت أفضل مثال له، ومثلا في Resident Evill 3 تمر ببعض أماكن الجزء الثاني وتتذكر لعبك بنفس المنطقة.
بالنهاية الاستكشاف كلمة ضخمة وغير محصور في هذي الأنواع، لكن إن أردت اختصار هذه الكلمة فبقول: “الاستكشاف = متعة”