الأجواء السوداوية التي جعلتنا لعبة Bioshock نعيش فيها… الحبكة والقصة العظيمة التي جعلتنا متشوقين لدرجة
غير متوقعة كي نعرف أكثر عن تاريخ مدينة رابتشر، أن نعرف أكثر عن أندرو راين، ومن هو أطلس؟
من هن الأخوات الصغار؟
لماذا تبدو مدينة رابتشر بهذه الكآبة؟
لماذا يبدو السكان بهذا الشكل؟
وأسئلة كثيرة تتكرر في عقولنا.
وتخبرنا أن هذا الأمر مثير للاهتمام ويجب أن أجد تفسيره مهما كلّف الأمر!
المبدع كين ليفين (مخرج اللعبة) قام هنا بعمل أقل ما يقال عنه تحفة فنية، حصلت اللعبة على معدل تقييم 96% في موقع Metacritic.
بالطبع فهو مخرج لا يقل إبداعاً عن أفضل مخرجي الألعاب، من أهم الأعمال الناجحة التي شارك في كتابتها هي لعبة Thief: The Dark Project التي صدرت عام 1998، والتي كانت قصتها معقدة كما قال البعض. كما أن لعبة Dishonored الشهيرة اتخذتها كإلهام، وها هو كين ليفين يأتي بلعبة لا تقل عنها جمالاً ولا إبداعاً بل تفوقت عليها في نظر الكثير.
عن نفسي اللعبة قدمت لي أكثر مما توقعته منها سواء بالقصة الفلسفية والعميقة وأسلوب اللعب المحترم والمتقن، وغيرها من الميزات كالشخصيات والموسيقى الكلاسيكية التي تبدأ بالاستماع إليها وأنت تبحث عن المكان المطلوب، التي تشعرك بأنك منسجم مع اللعبة بشكل مخيف وأنت تترقب أي هجوم قد يأتيك من الخلف!
أو من غريب أطوار يمثّل بأنه ميت أمامك فحينما تقترب منه…
فلسفة الموضوعية… تذكروها جيداً لأنها البداية
اختصار لهذه الفلسفة من ويكيبيديا: أن الغرض الأخلاقي اللائق لحياة المرء هو البحث عن سعادته الشخصية (أو المصلحة الذاتية العقلانية)، وأن النظام الاجتماعي الوحيد المتوافق مع هذه الأخلاقية هو ما يقوم على الاحترام الكامل للحقوق الفردية التي تتجسد في اقتصاد عدم التدخل والرأسمالية، وأن دور الفن في حياة الإنسان هو تحويل أفكار البشر الغيبية من خلال الاستيلاد الانتقائي للحقيقة إلى عمل مادي -عمل فني- يمكن للمرء فهمه والتفاعل معه شعوريًا.
مدينة رابتشر ونخبة المجتمع
في البداية نجد “جاك” (بطل اللعبة) على متن الطائرة وبعدها تنفجر الطائرة بسبب مجهول ليذهب بعدها بإحدى الطرق إلى رابتشر المدينة التي تقع في أعماق البحار، المدينة التي أصابها الدمار ويبدو أنها وقعت في حرب أو مثلها..
بطبيعة الحال سنبدأ جميعنا بالتساؤل ما الذي حصل هنا؟ من المسؤول؟ والعديد من الأسئلة التي سنجدها لاحقاً في تقدمنا في اللعبة،
أندرو راين هو رجل روسي الجنسية هرب من الاتحاد السوفييتي بعد نجاح الثورة الروسية إلى الولايات المتحدة، لكنه لم يجد ما كان يتوقعه هناك فقرر الهروب من المجتمع الذي يعيش فيه وتأسيس مدينة… مدينة نظامها الاقتصادي رأسمالي… مدينة لا يسكنها سوى العلماء والفنانون والكتّاب أو كما يقولون نخبة المجتمع! وإعطاء الحرية الكاملة للبحوث العلمية أو… هكذا كانت!
يبدو أن نتائج الأبحاث كانت من أسباب دمار المدينة!
كانت نتائج الأبحاث العلمية نتائج أكثر من ممتازة… أو على الأقل بالنسبة لهم. فقد اكتشفت العالمة Brigid Tenenbaum مادة الـAdam من خلال مخلوق بحري يدعى بالـSea Slug وهي تغير في الشفرات الجينية أو الوراثية، لتكسب الشخص القوة الخارقة وهنالك أيضا الـEve والـPlasmids التي تفعل نفس الشيء، لكن بالطبع اكتشافات كهذه قد تغري البعض لاستعمالها للمصلحة الذاتية… وإن كان فيها استغلال للآخرين.
وبالطبع لا توجد مدينة خالية من المجرمين والجشعين سوى في قصص الخيال، ويبدو أن لعبة بايوشوك تحاول أن تحاكي واقع المجتمعات بأن تظهر لنا أن الشر في كل مكان ويستحيل أمر عدم وجود أي شرير في أي مدينة.
يوتوبيا أم ديستوبيا؟
عندما تقرأ عن مدينة رابتشر فقد تتخيلها تلك المدينة التي يحلم بها الكل الخالية من الشر والجريمة أو المصطلح المناسب لها (يوتوبيا) لكن أحب أن أخبرك أن توقعك ليس في محله! فعندما تلعب اللعبة فصدقني ستقول أنها مدينة إجرامية وأجواء المدينة السوداوي والمظلم والكئيب وأقرب مصطلح لهذا هو (ديستوبيا).
بالطبع فإن بعض أساسيات مدينة رابتشر هو أن يكون كل شخص سلطة نفسه وإحكام العقل والمنطق وإعطاء المجال لكل عالم ليجري أبحاثه العلمية لكن بالطبع سيأتي اليوم الذي سيدمر كل هذه الأساسيات وبالذات إحكام العقل والأسباب ستكون الغرور وحب الذات والتكبر والأنانية وعدم تقبل آراء الغير، فلسفة الموضوعية تحث على البحث عن السعادة الشخصية والمصلحة الذاتية قبل مصلحة الآخرين لكن ليس استغلال الآخرين لفعل ذلك.
فرانك فونتين من سكان مدينة رابتشر عارض أندرو راين وأراد أن تكون مدينة رابتشر على علاقة اقتصادية مع العالم الخارجي، وكره راين فكرته ولم يقبلها لكن فونتين لم يبق ساكناً فلقد شن حرباً على أندرو راين ومعه معاونيه الذين أيدوا فكرته وهنا قامت الحرب الأهلية بين أندرو راين وفرانك فونتاين .
والأول استعمل القدرات الخارقة أو الـPlasmids في الحرب وإعطائها لأعوانه في الحرب للدفاع عن نفسهم، وقتل أي شخص مع فونتين!
هل نستطيع العيش بلا أخطاء؟
يبدو أن اللعبة طرحت هذا الموضوع بطريقة عميقة فيبدوا أن أندرو راين أراد حياة هادئة بعيدة عن ضجيج العالم الخارجي… بعيداً عن الحروب… يريد أن يعيش برخاء هو ومجتمع رابتشر ولا مكان إلا للنخبة من المجتمع من علماء وكتّاب وفنانون وإلى آخره.
ما الذي سيحصل إذا وافق أندرو على هذا الأمر؟ ماذا يحصل إذا وافق على طلب فونتين؟ قد تصبح بعض الفوضى من حين لآخر فنحن بطبيعة الحال.
البشر! قد يحب البعض الخير وقد يحب الآخر الشر، قد تصبح مشكلة إذا وافق أندرو على طلب فونتاين. فهذا يهدم خطة أندرو بالارتباط مع مجتمع واحد فقط والعيش في مدينة لا سلطة فيها ولا ظلم ولا أي شيء من هذه الأشياء.
لكن يبدو أن أندرو راين شخصية عنيدة لا تتقبل أي فكرة تخالف فكرته وإن كانت ربما هي الصحيحة. في النهاية نحن لا نستطيع العيش بلا أخطاء، فنحن مجرد كائنات ضعيفة نخطئ ونصيب وسيأتي يوماً ما نخطئ فيه و يكون نتيجة خطأنا هذا… الموت!
الأخوات الصغيرات
تساءلت طوال لعبي لهذه اللعبة ما ذنب هؤلاء الصغيرات؟ لماذا استغلوا هؤلاء الصغار لمصالحهم اللعينة؟ ألا يمكنهم العيش كمخلوقات بشرية مثلنا؟ دون أن يعملوا طوال الوقت؟ وفي أمر لا يخلو من الشر؟ فربما عملهم هذا قد يتسبب في مقتلهم يوماً ما. وأعتقد كل من لعب اللعبة قد تساءل مثلي!
للأسف فهم ضحايا الغرور والجشع الذي كان به شعب رابتشر، أعتقد أنني أخبرتكم مسبقاً بأن أساسيات قيام مدينة رابشتر ستتدمر أليس كذلك؟
للأسف تم استغلالهم واستعمالهم لتجميع الـAdam من الجثث حول مدينة رابتشر، لكن بالطبع قد يتعرضون الأخوات إلى الهجوم وسرقة الـAdam منهم، وهنا يأتي دور الـBig Daddies وهم بشر (محسنين) كما يقولون، وظيفتهم حماية الفتيات طوال الوقت من الأعداء الذين يحاولون سرقة الآدم منهم.
في اللعبة فأنت مخير بين أمرين حين لقاء إحدى الفتيات، إما أن تساعدهم وفي المقابل تحصل على القليل من الـAdam (الـAdam يساعدك في اللعبة لتفعيل القوات الخارقة وتطوير قدراتك)، أو أن تحصد الـAdam كله منهم وفي المقابل يتحولوا الى الـSea Slug مخلوق بحري غريب!
فستختار في بداية اللعبة إما أن تكون طيباً أم شريراً بطريقة أقل ما يقال عنها ذكية.
قد يكون الرقص حلاً للهروب من الواقع
بعيداً عن الحرب القائمة بين فرانك فونتين و أندرو راين… سنتحدث عن شعب رابتشر، فالشعب تحول إلى مخلوقات غريبي الأطوار أو حيوانات شرسة كما قالت الدكتورة بريدجيت، تشبه البشر ولكن لا تمت للبشرية بصلة! بعد حقن أنفسهم بالـAdam فذهبت بعقولهم وكل شيء ولكن! يبدو أن الموسيقى تذكرهم بشيء… شيء يذكرهم بأن هنالك ولو قليلاً من الإحساس بداخلهم، شيء قد يذكرهم بالماضي… بمدينة رابتشر قبل الحرب الأهلية… أو حتى بالحب!
فحينما كنت أمشي خلال لعبي للعبة وجدت رجلاً وامرأة يرقصان أثناء تشغيلهم للموسيقى، كان شيئاً غريباً حقاً، أعني غريباً بكل ما تعنيه الكلمة!
هل هم نفسهم من كنت أواجههم طوال اللعبة ؟ لقد كنت أواجه طوال الوقت وحوشاً لا عقل لها ولا شيء. شككت بصحة عقل مخرجي اللعبة هل هم مجموعة مجانين؟
لكن ذهبت الريبة من داخلي حينما فكرت قليلاً أن المخرج ربما أراد أن يضع القليل من المشاعر داخل اللعبة، ظللت أتأمل بهما وأنا في حالة غريبة! لا أعلم هل كان شعوري تجاههم شفقة؟ أم كان شعوراً بالغرابة؟ أم كان نوعاً ما خوفاً ؟ ظلوا يرقصون حتى أطلقت عليهم فسارعوا بمهاجمتي بوحشية.
وأدركت وقتها أنهم لا يزالوا وحوشاً، لكن يبدو أن بداخلهم القليل من… الإحساس.
عنصر الرعب في اللعبة
قد يفكر البعض بأن اللعبة ليس من أساسياتها الرعب وأن الأكشن طاغ على الرعب بحيث لا تصبح هنالك أي قيمة لها، لكن الحقيقة أن الرعب كان موجود بطريقة مثالية في اللعبة وفي مرحلة Fort Frolic بالذات كان الرعب هو الملك. بحيث أنك تترقب الأعداء بشكل مخيف وكأنك لا تلعب اللعبة ذاتها، وكأنها فجأة تغيرت لتصبح لعبة رعب بالكامل في بعض الأحيان!
المرحلة تلك كانت بالنسبة لي أفضل مرحلة في اللعبة وبالطبع لوجود الفنان ساندر كوهين في تلك المرحلة والذي سنتطرق له في السطور القادمة.
ساندر كوهين… تجسيداً للجنون!
ساندر كوهين هو تجسيد للجنون. فهو شاعر وملحن ونحات يتلذذ برؤية الناس يعانون ويموتون بطرق تناسب ذوقه الفني، كتحنيط البشر وهم أحياء مثلاً!
مشهد عزف Kyle على البيانو وهو في حالة انهيار وتفجير كوهين له بعد شتمه، من أعظم المشاهد التي وجدت فيها الجنون بعينه.
في بداية مرحلة كوهين يطلب منك أن تقتل أشخاص محددين وتلتقط لهم الصور وهم موتى، وتضعها في أماكن مخصصة لها لكي يكافئك بهدايا بسيطة ويأتي في نهاية تجميعك للصور، إذا تجرأت وأطلقت عليه الرصاص أو ضربته سيأتي العديد من الأعداء وهم يرقصون الباليه ويقاتلونك في نفس الوقت، أثناء تشغيل الموسيقى. كانت لحظة عظيمة!
ببساطة أعتبره من أفضل شخصيات اللعبة إن لم يكن أفضلهم.
ما علاقة الفيلسوفة آين راند باللعبة ؟
قبل الختام هنالك مسألة أحب أن أوضحها لكم وهي عن الفيلسوفة آين راند وعلاقتها باللعبة او بالأحرى بقصة اللعبة، في الواقع قصة اللعبة مقتبسة كثيراً من رواية الكاتبة والفيلسوفة الراحلة آين راند وقصة رواية Atlas Shrugged، تشابه كثيراً قصة اللعبة.
وقد تلاحظوا أن اسم آين راند قريب لاسم أندرو راين. وليس الاسم فقط، فهي أيضا روسية الجنسية وهربت من الاتحاد السوفييتي بعد نجاح الثورة الروسية إلى الولايات المتحدة.
ختاماً أحب أن اوجه كلمتين لمن لم يلعب لعبة Bioshock بعد…
ماذا تنتظر؟