منذ بزوغ نجم جهاز الحاسب الآلي والشبكات ما قبل الشبكة العنكبوتية كان السعي دائماً للحصول على تجربة لعب عبر الشبكة، نجحت بعض هذه المحاولات وفشل الكثير منها ومع بداية الجيل السابع ظهر لنا أول جهاز منزلي بمودم مدمج ألا وهو الدريم كاست والذي استوحت منه الشركات الكثير والكثير حتى أصبحت تجربة اللعب التعاوني كما نعرفها اليوم. ولم تكتفي سيجا بدعم اللعب التعاوني فحسب بل قدمت لنا خدمة سيجا نت والتي تتيح للاعبين التنافس مع بعضهم عن بعد وتحميل الألعاب وما إلى ذلك من المميزات التي أصبحت من أساسيات أي جهاز ألعاب منزلي.
بالرغم من كون جهاز الدريم كاست هو المسمار الأخير في نعش تواجد سيجا في سوق أجهزة الألعاب المنزلية وبالرغم من فشله تجارياً إلا أن هذا الجهاز قدم ثورة في مجال الألعاب عبر الشبكة. هذا الجهاز كان مصدر الإلهام لمايكروسوفت من خلال تقديم جهاز إكسبوكس وخدمة إكسبوكس لايف وكان خلف تقديم سوني لطرفية الشبكة الخاصة بجهاز البلايستيشن 2. مما جعل الجيل السادس هو بداية اللعب التعاوني في الأجهزة المنزلية.
مع بداية الجيل السابع وصدور أجهزة الإكسبوكس 360 والبلايستيشن 3 انتشر اللعب عبر الشبكة بشكل أكبر مما سبق ويعود ذلك إلى توفر اتصالات النطاق العريض “برود باند” بشكل أوسع مما هو عليه في السابق وبسرعات أعلى. هذا الأمر شجع الشركات على تقديم ألعاب تدعم طور اللعب التعاوني إلى جانب طور القصة. وهذا الجيل يمكن اعتباره بأنه البداية الحقيقية لحقبة اللعب عبر الشبكة خصوصاً مع ظهور خدمة شبكة بلايستيشن (PSN) ومع تطور إكس بوكس لايف وما إلى ذلك من الأسباب التي جعلت سمة هذا الجيل هو الخدمات المقدمة عبر الشبكة.
ومع الجيل الثامن استمر الأمر على ما هو عليه من تطور وأصبح من الطبيعي أن نرى وجود ألعاب بطور جماعي فقط بدون طور قصة وهذا الشيء بسبب تركيز اللاعبين على تجربة اللعب الجماعي مما أجبر الشركات على ذلك. مع هذا التطور العظيم ومع توجه الشركات إلى التركيز على أطوار اللعب عبر الشبكة، ما هو مصير ألعاب القصة؟
رغم أن الشركات لا تزال تقدم لنا ألعاب قصة مميزة ولا تزال الاستديوهات تتنافس فيما بينها على ذلك وأصبحت اللعبة الناجحة في الجيل الحالي هي اللعبة التي تستطيع تقديم طور قصة مميز وتجربة لعب عبر الشبكة أو تعاونية ممتعة ولكن التركيز الأكبر مؤخراً تحول إلى الأونلاين وذلك لأن هذا النوع من الألعاب مربح أكثر فمن خلال المحتويات الإضافية وصناديق الحظ وشراء العملات داخل اللعبة يمكن للشركة أن تستمر في جني أرباح لسنوات وسنوات على العكس من طور القصة الذي ينتهي بنهايتها مما يقصر من عمر اللعبة في السوق وتصبح الشركة بحاجة إلى تقديم لعبة أخرى لتدعم خزائنها. هذا التوجه أصبح هو التيار الرئيسي في عالم الألعاب وأخشى أن يأتي اليوم الذي لا يمكن أن نجد فيه لعبة بطور قصة مميز. حتى الآن الأمور تدعو للاطمئنان مع تأكيد العديد من الرؤساء التنفيذيين للشركات أن ألعاب القصة لا زالت مهمة ولكن مستقبلاً قد يختلف التوجه خصوصاً إذا أصبحت ألعاب القصة غير مجدية مادياً وعندها ستتوقف الشركات عن تطويرها حتماً.
هذا الصراع بين ألعاب القصة والألعاب التنافسية أنشأ لنا انقساماً ما بين الشركات والجماهير، فئة تؤيد ألعاب القصة بشكل أكبر وفئة أخرى تؤيد التوجه للعب عبر الشبكة ولكل الفريقين وجهات نظر في هذا الشأن. فمن خلال الألعاب الأونلاين تستطيع الشركة التي قدمت اللعبة أن تجني كماً هائلاً من المال كما أسلفت مما يدعم خزائنها على نحو أطول من ألعاب القصة، ولنا في ألعاب مثل Fortnite وفيفا وGTA خير مثال، فجميع هذه الألعاب تجني أرباحاً طائلة من خلف المبيعات داخل اللعبة إما بشراء العملات الافتراضية أو مكونات إضافية تدعم اللاعب في مسيرته في اللعبة، ولعل انتشار ألعاب البقاء للأقوى (الباتل رويال) زاد من توجه المطورين إلى هذا النوع من الألعاب. على الجانب الآخر نرى ألعاب تقدم قصص مميزة بدون التركيز على طور اللعب التعاوني وتحقق نجاحات على صعيد الجوائز والشهرة وعدد النسخ المباعة وخير مثال على ذلك لعبة God of War فهي قدمت قصة عظيمة بحبكة درامية مميزة جعلتها تحصد العديد من الجوائز بالإضافة إلى التقييمات العالية مما يؤكد صحة وجهة نظر الشركات التي تؤيد ألعاب القصة.
على صعيد الجماهير فالأمر سيان، فئة تميل للألعاب الجماعية أو التنافسية والأخرى تريد ألعاب القصة. جمهور ألعاب الأونلاين يرى بأنه ليس عليه أن يدفع مبالغ شهرية لشراء ألعاب القصة بل أنه يقوم بشراء لعبة واحدة أو لعبتين طوال السنة ويستمر بلعبها بشكل متكرر ويتنافس مع اللاعبين الآخرين، أيضاً يجد متعته كلما ارتفع مستواه وخصوصاً بعد تنفيذ المهام التي تقدمها الألعاب ضمن الطور الجماعي، على سبيل المثال قد يطلب منك في لعبة تصويب أن تقوم بتصفية 3 أعداء بطلقات في الرأس خلال 10 ثوان، رغم صعوبة هذه المهمة إلا أن نشوة إنجازها تحقق متعة كبيرة للاعبين. أيضاً هناك الألعاب الجماعية الضخمة من نوع لعب الأدوار (RPG) والتي تقوم من خلالها بإنشاء شخصية افتراضية والتفاعل من خلالها مع اللاعبين الآخرين وتقوم بعيش حياة أخرى داخل اللعبة.
على العكس تماماً هناك جمهور ألعاب القصة الذي يجد متعته في سبر أغوار عالم اللعبة وعيش تفاصيله ومغامراته والاستمتاع بالقصص داخله والمشاهد السينمائية المتنوعة التي تعرض خلال تقدمه باللعب. هذا النوع من الجماهير يعاني هذه الأيام من تحول الشركات إلى الألعاب الجماعية، فإما تتحول لعبته المفضلة إلى جماعية أو تنافسية بالكامل كما حدث مع الجزء الأخير للعبة Call of Duty المسمى بـ Black Ops 4 أو تحاول تقديم طور تنافسي في لعبة لا تمتلك أدنى عناصر نجاح الألعاب الجماعية مما يؤثر سلباً على سمعة اللعبة بل وقد يصل الأمر إلى عزوف الجماهير عن اقتناء اللعبة بسبب السمعة السيئة التي حصلت عليها. وما بين الفئتين تبرز ألعاب تنجح في إرضاء الطرفين فتقدم طور قصة مميز بالإضافة إلى طور جماعي ممتع مما يسهم بنجاح اللعبة ويطيل عمرها في الأسواق، فلعبة مثل GTA V صدرت قبل بداية الجيل الثامن لأجهزة الألعاب ولا تزال تجني الأرباح حتى يومنا هذا وذلك الفضل يعود إلى طورها الجماعي والقصة الفريدة التي قدمتها.
في الختام، الخاسر الأكبر من اختفاء ألعاب القصة هم أولئك اللاعبين المخضرمين من الأجيال السابقة الذين يجدون متعتهم في تأمل تفاصيل اللعبة وعيش قصتها، هذه الفئة من الجماهير لا يروقها تطور اللعب الجماعي لأن هذا الأمر بالتأكيد يعني أن ألعابهم هي الضحية وأن زيادة اللاعبين عبر الشبكة سيجبر المطورين على التوقف عن صنع ألعاب القصة التي يستمتعون بها. ربما الحديث سابق لأوانه ومن المبكر الخوض في مثل هذه التفاصيل ولكن المؤشرات قوية بهذا الشأن وكما أسلفت قد يأتي اليوم الذي ينصب فيه تركيز الشركات على الطور الجماعي ويصبح طور القصة إضافة جانبية لا قيمة لها.