في خضم زحمة المنافسة في حدث E3 2021 لا نستطيع إلا وأن نشعر بغياب قطب مهم جداً من أقطاب الصناعة وهو Sony التي تركت فعلاً فراغاً كبيراً في هذا الحدث منذ غيابها عنه في E3 2019 لأول مرة منذ انطلاق الحدث ومشاركة سوني فيه بالتسعينيات، حيث تم تبرير الأمر وقتها بأسباب تقليل المصاريف والتركيز على طرق جديدة للحديث عن مشاريعها المقبلة.
في ذلك الوقت كان يمكن أن نتفهم دوافع سوني لأننا كنا بنهاية عمر بلايستيشن 4 وسوني كانت متقدمة بفارق كبير على منافسها، والأهم لم يكن هناك الكثير من الألعاب الجديدة أو المفاجآت لتقدمها للجمهور كما فعلت في حدث عام 2016، وهي لا ترغب بتكرار نفس الإعلانات لاسيما مع انتقاد البعض لمؤتمرها بـE3 2018 بأنه كان مخيب كونه لم يحوي مفاجآت، كذلك سوني لم تكن مستعدة لتقل شيئاً عن بلايستيشن 5 في 2019 فذلك كان سيأتي بمؤتمرٍ باهت الأمر الذي يجعل تواجد Sony يأتي بنتائج سلبية أكثر منها إيجابية. وهذه العوامل بررت غيابها في 2019.
ومن ثم عادت لتعلن انسحابها من حدث E3 2020 قبل أن يتم إلغائه بسبب كورونا، ومع عودته هذا العام توقعنا أن تعود سوني مجدداً لتشارك بالفعالية خصوصاً وأننا بالعام الأول للبلايستيشن 5 ومن المؤكد بأن لدى سوني مفاجآت كبرى تخفيها بجعبتها للاعبين ولكن الأمر هذا لم يحدث وسوني فضلت الاستغناء عنه من جديد. وسؤال المليون دولار هو لماذا؟ وما هي النتائح المترتبة عن انسحاب سوني منه؟ هذا ما سنناقشه بمقال سوالفنا اليوم.
هل فقد E3 بريقه ورونقه في السنوات الأخيرة؟ وما تأثير غياب سوني؟
قبل أن نستعرض بعض الأسباب التي ممكن أن تكون وراء استمرار غياب سوني عن الحدث، علينا أن نسلط الضوء على حقيقة بأن E3 في السنوات الأخيرة لم يعد مثل E3 بفترة الجيل السابع من الأجهزة المنزلية وما قبلها، فقبل سوني شركات عدة قلصت حضورها بالحدث، نينتندو على سبيل المثال كانت تقيم مؤتمراً مباشراً في الحدث واكتفت بالسنوات الماضية ببث حلقات نينتندو دايركت.
EA كذلك قررت تنظيم مؤتمراً خاصاً بها بعيداً عن المعرض نفسه، وحتى مؤتمرات الطرف الثالث باتت بغالبيتها تعتمد أكثر على ألعاب الهواتف الذكية أو الواقع الافتراضي ولم تعد تقدم هذا الكم الهائل من الإعلانات الضخمة أو الألعاب الجديدة، الأمر الذي يجعل تأثر المعرض والشغف المرتبط به يقل تدريجياً ولم يعد بنفس التأثير الذي اعتدناه في الماضي.
غياب سوني جاء ليزيد الطين بلة لأن الجميع دائماً ما كان مترقب لما سيحصل في مؤتمر سوني وكان مؤتمرها يرفع دوماً سقف المنافسة، الآن نلاحظ بأن جمهور بلايستيشن خفت اهتمامه كثيراً بالحدث، حتى أن الصحفي الشهير جيسون شراير كان قد تحدث عن أن غياب سوني عن معرض E3 2019 تسبب في إفقاده بريقه وكانت الصالات نصف فارغة آنذاك.
بالجانب الآخر هذا يمكن أن يعتبر فرصة ذهبية لمايكروسوفت التي بات مؤتمرها هو الأهم على مستوى الحدث بما سيحمله من أخبار عن ألعاب استوديوهات اكسبوكس التي باتت الآن تفوق 20 استوديو أو إعلانات من شركات طرف ثالث لم يعد لديها سوى مسرح مايكروسوفت لتعلن من خلاله عن مشاريعها.
لذا نأمل أن تستغل مايكروسوفت الفرصة وهذا الزخم الإعلامي المحيط بمؤتمرها وترمي بكافة أوراقها من خلال استعراض عدد ضخم من العناوين الحصرية حتى وأن كانت في مراحل تطوير مبكرة، لأن منافسها سوني محترف بسرقة الأضواء بأقل مجهود ودون أي تعب وجميعنا رأينا ما فعلته حلقة Horizon Forbidden West التي باتت حديث الساعة ونحن نتحدث عن حصرية واحدة فقط لسوني.
ما الأسباب الحقيقة لغياب سوني عن E3؟
على مر السنوات تعرض E3 لنكسات فمعرض E3 2007 تضمّن 33 لعبة فقط ومعرض E3 2008 استقبل 5000 شخص فقط بينما في أول معرض E3 1995 كان عدد الزوّار أكثر من 40,000. لكن غياب سوني قد يكون مؤثر بشكل أكبر مما نتصوره وهذا يدفعنا لمحاولة معرفة أسباب هذا القرار.
مشاريع سوني تسطع منفردة
لعل المشكلة الأكبر التي قد تواجهها سوني في E3 هي المنافسة فمن الصعب بهكذا حدث لأي أحد أن يسطع بمفرده ويسرق كل الأضواء له لوحده، صحيح أن سوني لديها Horizon Forbidden West و God of War: Ragnarok لكن منافسيها لديهم أيضاً عناوين ضخمة مرتقبة Halo Infinite و Zelda: Breath of the Wild 2 وهذه دون شك ستأخذ حصة من الحماس والهايب بالمعرض ولن يكون كل التركيز على عناوين بلايستيشن. وحتى قد تفضل أن تبعد بلايستيشن 5 عن أي مقارنات محتملة بينه وبين اكسبوكس سيريس اكس أو سويتش لذا تفضل سوني ربما الانفراد بحدثها الخاص حيث تسطع حصرياتها وجهازها بشكلٍ منفرد.
تضارب الآراء بينها وبين ESA
عندما أعلنت سوني بشكل رسمي غيابها عن معرض E3 2020 فسرت السبب بالقول بأن الشركة لا ترى بأن الرؤية الخاصة بهذا الحدث تتناسب مع مخططاتها للعام 2020. فهي تريد أن تكون أكثر قرباً من اللاعبين ومخصصة أكثر للمستهلك بدل الإعلاميين.
جيسون شراير كان قد أخبرنا عن وجود خلافات بالفعل بين سوني ومنظمة ESA حيث أكد وجود خلاف بوجهات النظر بين الطرفين أدى لانسحاب سوني، هذا الأمر يدعمه تصريح قديم للسيد شون لايدن في بلايستيشن اكسبيرينس للعام 2017 في مقابلة مع كريغ ميلر لمح فيه لهذا الخلاف عندما سئل عن قرار ESA فتح باب E3 للجمهور بعد أن كان يقتصر على الإعلاميين فقط فقال بأن المعرض التجاري ومعارض الجمهور أمران مختلفين تماماً. وعلى من يرغب بتنظيم معرض للجمهور أن يسأل نفسه كم سيكلف هذا وكيف يمكن أن يتم توسيع المجال وكيف تدخل الناس؟ وعليهم أن يحددوا حيث بات E3 بمنتصف الطريق مشبهاً الأمر وكأنك تقود سيارة بطريق سريع بالمنتصف وتكاد تصطدم بالسيارات الأخرى من كلا الجانبين لذا عليك أن تحدد المسلك الذي ستسير عليه لتجنب الاصطدام.
تجنب التسريبات
التغييرات الكبيرة التي طرأت على E3 ربما فتحت المجال بشكل أكبر لاحتمال تسريب الإعلانات الخاصة بالمؤتمرات ورأينا من قبل أمثلة عن ذلك، وسوني لا تريد أبداً أن يفسد أحد إعلاناتها عن الجيل الجديد وبالتالي تفقد بريقها قبل الموعد المقرر.
انتشار شعبية البث الرقمي
التطور التقني وانتشار البث وخدماته جعل العديد من الشركات تعتمد على بث الأحداث الخاصة بها للجمهور وهي تدرك بأن المهتم بما ستقوله سيتابع ما يتم بثه أينما كان، هذا الأمر اعتمدت عليه نينتندو منذ زمن ويبدو بان سوني أرادت اللحاق بها عبر State of Play التي بدأت بثها سنة 2019 وطبعاً ليست مصادفة آن يكون هذا بنفس العام الذي قررت فيه الاستغناء عن E3. فتجربة نينتندو أثبتت بأنها ليست بحاجة لمسارح مجهزة بأحدث تقنيات الإضاءة من أجل إعلاناتها لجذب اهتمام الجماهير، وحلقة نينتندو دايركت في E3 2019 تغلبت على باقي المؤتمرات لناحية اهتمام اللاعبين وإثارة حماسهم.
الثقة الكبيرة بالنفس
قد يكون هذا القرار نابع من ثقة سوني الكبيرة بنفسها وبأنها تستطيع عبر أي حدث أن تستقطب اهتمام الإعلاميين بشكل كبير وهائل ويكفي أن تقول مثلاً بأنها ستعلن عن تفاصيل حول أحد حصرياتها في حلقة أو حدث بتاريخ محدد حتى يتسمر الجميع أمام الشاشات لرؤيته فلماذا تنفق أموال طائلة على المشاركة بمعرض E3؟ هنا يكفي أن نذكر بأن كشف سوني عن شعار PS5 فقط جعلها تكسر أرقام قياسية عبر انستغرام؟ وكما قلت رأينا ماذا فعلت حلقة هورايزون قبل أسابيع قليلة. وهذا يذكرني باستراتيجية روكستار التي تغيب عن معارض E3 وتلجأ فقط للإعلان عن ألعابها عبر فيديوهات قصيرة.
تقليل المصاريف
لا يمكن إهمال عامل السعر المرتفع لحجز المساحات بأرض المعرض فهذا سيزيد من حجم التكاليف على سوني بينما لن يكلفها حدث خاص بها مثل تلك المصاريف التي يمكن أن توفرها للحملات التسويقية لجهازها وحصرياتها القادمة. لكن هذا الأمر قد لا ينطبق على حدث هذا العام لأنه كان رقمياً ولن يكلف مثله مثل الأحداث السابقة.
وأخيراً لا يمكننا إنكار تراجع شعبية معارض E3 والتي باتت تبدو كمنتج قديم أمام التطور الهائل للتكنولوجيا ومنصات البث والسؤال الأهم يبقى كيف سيكون مستقبل هذا الحدث مع انسحاب شركات كبرى منه كنينتندو وسوني؟ وهل ترون أن انسحاب سوني هو مخاطرة أم خطوة ذكية ومحسوبة؟ شاركونا آرائكم.