ممكن يوم من الأيام جنح فيك الخيال؛ وتخيلت نفسك مكان الشخص اللي يبيع لك الألعاب، وتحدث نفسك لو لي محل كان أنصح الناس بالألعاب الممتازة وأعطيهم خيارات أكبر بدل من اختزالهم لأجهزة الألعاب على ثلاث ألعاب مشهورة فقط، ممكن ماجاك هذا التصور لكني شخصيا كنت أحدث نفسي بين زيارة وزيارة لمحلات الألعاب: “لو كنت مكانه وش أبسوي؟” (شخصيا هذا السؤال يخضر ذهني غالبا مب فقط مختزل على مهنة بيع الألعاب).
إذا كنت متابع عزيزي القارئ لإعلام الألعاب (سواء العربي أو غير العربي) لعلك تلحظ ندرة من يتكلم عن “بائع الألعاب”، وإن كان يُذكر فهو يذكر لك إن عمل تخفيض، أو أسوأ تجد الأعلام (إعلام الألعاب) أحيانا يعمم عليهم أنهم “نصابين” ويحذر منهم.
ما أذكر على حد اطلاعي بإعلام الألعاب إن موقع تكلم عن ذاك الشخص بالتفصيل، قد تقول “وليش نتكلم عنه؟ هذا مابيننا وبينه إلا فلوس نأخذ اللعبة وتنتهي علاقتي معه”، أقولك كلامك صحيح لكن مب بالضرورة صحيح كليا، بائع السعادة (إن جاز التعبير) يستحق للفتة بسيطة مننا كمجتمع لاعبين، علاقتنا معه قد تمتد لسنوات يستحق ولو قليل من التفصيل لعمله، كما المطور وشركات النشر نهتم فيها ليش ما نهتم باللي يوصل الألعاب لعندنا؟
شخصيا كنت أتمنى أكتب عن هذا الموضوع من فترة طويلة، لكن ما منعني إلا شيء واحد وهو: المعلومات الكافية عن اللي ابكتب عنه، أكتب عادةً باسم القيمرز لأني واحد منهم أشعر باللي يشعرون فيه، لكن بائع؟ أنا مجرد شخص أشتري منه لعبة، ما وقفت مكانه وصرت “بياع” عشان أتكلم بلسانه…لكن هذا الكلام في السابق، أنا جربت شعور “بائع السعادة” هذا وقفت أخيرا بالمكان اللي أبيع فيه، ما أشتري.
في أواخر شعبان الماضي أردت أجرب نفسي كبائع ألعاب عشان غرض واحد وهو: كتابة المقال هذا، قدمت للعمل عند مكتبة جرير واخترت فرع ملاصق لمول كبير ويعتبر الفرع على شارع حيوي مهم.
ليش جرير؟ وليش هذا الفرع بالذات؟
ما أبغى أتملق جرير لكن جرير تضم أكبر تنوع للاعبين فيها، مب مجرد مكان يزوره ناس ما يعرف عن الألعاب إلا أبجدياته، الأشخاص المهتمين بالنسخ الخاصة وأصحاب أجهزة نينتندو والراغبين بشراء جيل جديد كلهم يمرون بجرير، أما الفرع فاخترت هذا الفرع عشان يكون الزوار أكبر مايمكن فأخذ انطباع جيد عن المشترين، كثير من الأطفال بعد ماتخلص أمه من المول “يسحبها” معه لجرير عشان لعبة، وأيضا القيمرات بعد ما تخلص من السوق تطلع على اللي عند جرير من ألعاب، ولا ننسى أخيرا الشاب اللي يحتري أهله بالمواقف يسلي نفسه بشوفة بعض الألعاب وممكن شرائه.
باختصار: ماكنت أبغى محل ألعاب عادي أبغى محل يزوره أكثر أنواع مشترين الألعاب.
قدمت على الوظيفة وقابلت مدير الفرع بسهولة وكان مرن جدًا وسعيد بتواجدي، حتى إنه جعلني أختار القسم اللي أتوظف فيه على حسب رغبتي، اخترت الألعاب ومع إنه كان ثلاثة موظفين بهذا القسم إلا إنه مشكورا قبل يجعلني بقسم الألعاب.
زملائي الموظفين الثلاثة
زميلي الأول كان صديق العمل، عبد المتين، وأقول صديق العمل لأنه الوحيد اللي كونت معه صداقة عمل وبسرعة هائلة، عبد المتين هندي الجنسية احترم هذا الشخص لأنه يبغى يتقن عمله مع أن الظروف ما تناسبه، رتبت مع عبد المتين جميع ألعاب المنصات على حسب نوعها كان يبغى يعرف أنواع الألعاب بشدة لكنه غير مطلع ويندهش من معرفتي بالأنواع (اللي المفروض يعرفها كل “قيمر”)، قالي عبد المتين وهو محبط من عدم معرفته بالألعاب: “لما كنت في الهند ماكنت أعرف إن فيه جهاز اسمه بلايستشن فاعذرني على كثرة أسئلتي”.
زميلي الثاني “عبد الله” من أهل الرياض كان الله يصلحه غير جاد بالعمل، كثير الكلام بجواله ومع زملائه، وكان يسألني بما إن اللاعب الوحيد بينهم عن “بكجات فيفا” (وأتمنى لا يتم التعميم إن السعوديين غير كفؤ للعمل)
زميلي الثالث هو “إيريك” من الفلبين وهو رئيس قسمنا انسان جاد جدا أمضى اربع سنوات في بيع الألعاب وبعد ثلاث شهور كان بيغادر ويجعل الرئاسة لعبد المتين، ما استلطفني بالبداية ولا كان يبغاني أزاول عملي (لعل تجربته مع عبد الله غير جيدة) لكن فادني إن معرفته هو والبقية متدنية فاستغليت الأمر كلما جاء زبون أتدخل وانصح وأعطي معلومات لين أصبح الأمر عادي عن إيريك وصرت أنا ماسك القسم عمليا وهم مجرد يأخذون الأجهزة للمحاسب، وطبعا هذا الأمر برغبتي عشان أتعامل مع أكبر قدر من الزبائن.
وصلنا للزبائن وما أدراك ما الزبائن! جميل جدا إنك تتكلم عن معاني الصبر والتحكم بالأعصاب، لكن فكرة سيئة جدا تختبر هذا الأمر على أرض الواقع.
“ليش الألعاب سعره غالي؟”
سؤال تكرر لي بشكل ممل لعلك تظن ياعزيزي القارئ إن سعر جرير مرتفع لا أخطيت! السعر غالبا يعتبر جيد نعم يوجد أرخص لكن كثير من الألعاب بالسعر الرسمي أو أقل، أغرب من قال لي هذي الجملة كان رجل بمتوسط العمر ومعه بنته يبغى لعبة ميكي ماوس على الوي، جبت اللعبة والسعر كان 190 ريال قال لي ليش السعر غالي؟! قلت عالميا هذا سعر الألعاب، قالي: أنا لقيتها باكسترا ب50 ريال ما يمديك ترخص؟، قلت بنفسي (وأعوذ بالله من اسائة الظن) إن هذا الرجال كذاب، نعرف كلنا اللاعبين الأسعار متقاربة بين إكسترا وجرير، ولو كان السعر صحيح ليش ما تركني وراح لاكسترا على طول؟، ابتسمت وقلت: “سعر ممتاز رح لإكسترا الآن واشترها تراه بنفس هذا الشارع وقريب”، لكن الرجل مصر إني أخفض له!، طبعا كموظف شرحت إن هذي تسعيرة الشركة ولا أقدر أنزل ريال واحد، بالنهاية اشترى اللعبة ب190 وماوفر لنفسه 140 ريال من محل إكسترا “الخيالي”.
يلزم أذكر شيء صعب التوفيق بينه وبين الربح بهذي المهنة وهو “الأمانة”: مثل المثال السابق إني نصحت أخونا إلى المحل الأفضل بدون ما أقول مثل كثير من البياعين لأن اللي عندنا “أصلي” ويعيب بالضاعة الثانية، (مب مدحًا لأمانتي لأني أؤمن إن الأمانة واجبة علي ولا لي فضل إني أكون أمين). شخصيا قابلت بائعين أمانتهم تجبرك تشتري من عندهم، جهاز PS4 شريته عشان MGS GZ وكان بفترة انقطاع، الشخص اللي اشتريته منه قالي “انتظر أسبوعين وراح تشتريه بسعر مناسب من الوكيل” بائع يغصبك على احترامه
الأمانة حتمت علي إيقاف بيع أكثر الحزم تكدس لجهاز PS3، كانت أم وطفلها يبغون يشترون حزمة تضم أربع ألعاب شرحت الثلاث ألعاب ومدحتها وبينت نوعها، الرابعة كانت DmC ولأني لاعب اللعبة قلت: “ياخالتي هذي اللعبة فيها مقطع غير جيد ما يصلح للكبار فمابالك للصغار”، شكرتني الأم وعرضت عليها بندل ثاني وشرته وكانت تبي نصيحتي بلعبة مناسبة للي بعمره، عرضت عدة ألعاب والحمد لله أخذت Ni no kun
أوقف شوي عند شعور جميل لما تحس إنك ساهمت بزيادة مبيعات لعبة بمستوى رفيع! لأنك تدعم الاستديو يعمل ألعاب بمستويات مماثلة.
نرجع لم الأمانة: جاني رجل مع عياله (مبين إنه من أحد القرى القريبة من الرياض) يبغى يشتري PS3 لعياله، ثم سألوني عياله: عندنا “حرامي السيارات” على PS2 عندكم “حرامي سيارات جديدة”؟، قلت: اللعبة ممنوعة عندنا ومانبيعها، سألني الأب: ليش ممنوعة؟، بينت له إن فيها كمية تعري مب بسيطة وإن اللعبة محتواها سيء للبالغين والأطفال كمسلمين (طبعا أنتم أدرى إني أقصد سيئة ببعض المحتويات مب اللعبة جميعها سيئة)، كلامي هذا نزل كالصاعقة على العيال ووجيهم تغيرت، كنت مدرك إني بكلامي “أنكبهم” لكن عشان مصلحتهم بينت للأب اللعبة، ردة الفعل جتني مفاجئة من الأب قالي: “طيب تعرف مكان نحصلها فيه؟”.
مستوى الوعي عندنا
مستوى الوعي عندنا بالألعاب مثل أغلب مناطق العالم حنا مب “استثناء”، المستوى محبط بالنسبة لنا كلاعبين، اكتفي بمثال معي جاني زوجين مب كبار بالسن يبحثون عن كثب للعبة معينة سألت الأخ وش اللعبة؟ قالي كراش جديدة لولدي على PS3! الله المستعان كراش وجديدة على PS3!! أخونا كان يحسب اللعبة زي فيفا تنزل سنويا.
هل فيه لاعبين حقيقين مثل اللي نشوفهم بالمواقع وأصدقائنا اللاعبين قابلتهم؟
للأسف لا، لكني قابلت وسعدت بمقابلة “قيمرز تحت الإنشاء”، كانت أذواقهم بالألعاب جميلة وغير عن النمط المعتاد من الأطفال اللي اختزلوا أجهزة الكونسول في ماين كرافت وفيفا وكود.
بالنهاية
كانت تجربة جدا ثرية مع أنها ما كملت يوم واحد لكني حصلت مادة أستطيع كتابة المقال فيها، وحصلت بعض المواقف غير المذكورة بهذا اليوم، ومع أنه يوم إلا إني بعت عدد ماكنت أتصوره بالنسبة للألعاب والأجهزة! ، وأخيرا قدرت أشوف مرة ثانية شكل الفرحة اللي كانت تجيني وأنا طفل إذا شريت لعبة من المحل لكن شفتها على وجه عدد كبير من صغار السن.