بعد أن تعرفنا على شركة Rockstar وتاريخها وما حققته بالصناعة في المقال السابق دعونا نسرد بمقالنا هذا عن جواب لسؤال قد يخطر ببال الكثيرين وهو لماذا يعشقها الناس؟ وماذا عن مغادرة دان هاوسر للشركة وماهي ثقافة روكستار التي ساهم دان بصياغتها وكانت سبباُ لانتشار شعبيتها؟.
قصص مكتوبة بعناية شديدة
لطالما امتازت قصص روكستار التي بالمناسبة يساهم بكتابتها دان هاوسر بالحبكة السردية المثيرة والمشوقة مع نهايات درامية تتصاعد فيها الأحداث تدريجياً لتضع اللاعب بتجربة تشبه كثيراً الأفلام السينمائية.
قصصهم لا تجعلك متعلق فقط بالشخصيات الرئيسية إنما أيضاً بالشخصيات الجانبية وهو أمر يفشل معظم المطورين بتقديمه باستثناء ويتشر 3 طبعاً، كذلك نجح كتاب الشركة بتقديم خلطة من الأحاسيس والمشاعر في الألعاب سواء بتقديم الأحداث الفكاهية أو الحزينة.
الشركة التي تهتم بأدق التفاصيل لن تنسى أهمية الحوارات بالألعاب فنشهد دوماً حوارات عميقة بين الشخصيات تجعلنا نتفاعل مع المشهد ونشعر بالفعل بأننا جزء منه، فعلى سبيل المثال لعبة GTA San Andreas قدمت منذ الافتتاحية مشاهد وحوار جذبت اللاعبين للعبة بشكل كبير وجعلتهم متعلقين بها.
بناء عوالم مفتوحة مفعمة بالحياة وسابقة لزمانها
رغم أن جيل بلايستيشن 1 وبلايستيشن 2 لم يكن يمنح المطورين إمكانيات تقنية عالية لتطوير الألعاب رأينا أن روكستار سبقت الزمان فقدمت مع سلسلة GTA حرية باللعب ضمن عالم نضيع بثناياه ونخوض أنشطة منوعة، ومع التقدم بالأجيال كانت دوماً ما تبهرنا روكستار بتقدمها الأكبر بصناعة العوالم المفتوحة يكاد يشعر اللاعب بأن ليس هنالك حدود لما يمكن له أن يقوم به وتجلى هذا بصورة كبيرة في الجزء الخامس من GTA مع وجود 3 شخصيات وعالم كبير مليء بالنشاطات والفعاليات ولا ننسى طور الأونلاين والحرية الكبيرة فيه، العوالم بألعاب هذه الشركة ليست ضخمة دون روح أو فارغة فهي حتى تقدم العنصر التفاعلي حيث نشعر بنبض الحياة مع تفاعلنا مع الشخصيات والحيوانات وكل شيء من حولنا.
الأمر لا يتعلق فقط بالحرية وإنما الحرص على تقديم عوالم واقعية لأبعد حد فمثلاً لخلق عالم L.A. Noire أمضى الفريق سنين وهم يجمعون الصور التي تعود لأربعينيات القرن الماضي فقط ليتمكن من تجسيد روح ذلك الزمن باللعبة. وطبعاً الواقعية الكبيرة تجلت بأبهى صورة مع الجزء الأخير من ريد ديد فتم الاعتناء بأدق التفاصيل من حركة وتصميم وجوه وعوالم رغم أن البعض انتقد هذه الواقعية المفرطة لكن هذا بالنهاية يؤكد بأن روكستار لا ترضى بالعمل السهل وتبذل أعلى الجهود لتقديم ما ترضى هي عنه قبل اللاعبين.
الجودة على رأس قائمة أولويات الشركة
فهي لن تطلق أي لعبة حتى لو اضطرت أن تقوم بتأجيلها عدة مرات إلا بحال كانت واثقة تماماً بأنها ترتقي لمعاييرها الخاصة، والنتيجة دوماً ما تكون مرضية وتستحق الانتظار الطويل، هذا يظهر بالمقارنة مع مشاريع شركات أخرى فنحن نعاني كثيراً من ألعاب تم طرحها على عجل حتى وإن كانت ناقصة فقط ليتم الالتزام بموعد الصدور المعلن عنه بالسابق، ويتم وضع الجودة بأسفل قائمة أولويات أغلب الشركات وأنثيم خير مثال على هذا.
عدم اتباع الموضة الدارجة بالصناعة
منذ تأسيسها رسمت الشركة لنفسها خط خاص تمتاز به عن الآخرين، ففي الوقت الذي تلهث فيه الشركات لاتباع ما هو دارج في سوق الألعاب (كما يحدث الآن مع موجة الباتل رويال) نرى بأن روكستار ترسم لنفسها مسار خاص بها بعيداً عن الآخرين.
حياة موازية واقعية نتقمصها في ألعاب الشركة
من ضمن مساعي روكستار هو تقديم عالم افتراضي يمكن اللاعب من أن يعيش حياة موازية يقوم فيها بما يحلو له وما هو قد يكون غير متاح له أن يقوم به في الحياة الواقعية، فيشعر اللاعب وكأنه في عالم موازي لعالمه الخاص دون أية قيود، طبعاً لهذا الأمر وجهين وجه جيد إيجابي حيث يمكن أن يمثل وسيلة يخرج فيها اللاعب من ضغوط الحياة الاجتماعية وربما يتمكن من عيش جزء مما يحلم به ضمن عالم مصمم ليحاكي الواقع بكل تفاصيله، وطبعاً الجانب السلبي أن بعض الأمور بعوالم روكستار لا تلائم كل المجتمعات فنجد فيها المخدرات والأمور الفاحشة. بالعموم لا يمكن أن ننكر بأن الرغبة بالعيش في عالم آخر نفعل فيه ما لا يمكن لنا فعله في العالم الحقيق هو أحد الأمور التي تجذب بعض اللاعبين للعب ألعاب الشركة.
تقرير: كيف ساعدت GTA V أحد اللاعبين بتحسين حالته النفسية المزرية؟
الأسرار والألغاز
من ضمن استراتيجية روكستار لجذب اللاعبين هو تقديم الكثير من الأسرار أو الألغاز بألعابها مما يجعل اللاعبين يسعون لاكتشاف أسرار اللعبة حتى بعد انتهاء مهام القصة وتحمس اللاعب لمتابعة اللعب واكتشاف العالم من حوله وتضفي على اللعبة الكثير من التشويق والغموض.
هذا الأمر رأيناه بكثرة في أحدث ألعاب الشركة ريد ديد 2 حيث احتوت على الكثير من الأسرار التي أثارت اللاعبين وبدأوا بالاهتمام باكتشافها بعيداً عن القصة ذاتها وتنوعت ما بين ألغاز مرعبة وأخرى تمنحك كنزاً، مثل لغز Big Foot أو لغز التماثيل السبعة والكنز الذي تخفيه أو لغز الأميرة المفقودة، كل هذه الأمور تغري اللاعبين لترك المهام الأساسية والتوغل بعالم اللعبة لاكتشاف ما تخفيه روكستار بثنايا العالم من أسرار وتوليد روح المنافسة بين اللاعبين حول من يتمكن من حل الألغاز أولاً.
التنويع
نعاني مع ألعاب الكثير من الشركات من مشكلة النسخ واللصق وحلب الألعاب حتى باتت الألعاب متشابهة وتحمل نفس الأسلوب مع تغيير بالشخصيات والأماكن والأحداث وهذا نراه بألعاب يوبيسوفت وأكتيفجن على سبيل المثال.
بينما تسعى روكستار دوماً لتقديم الجديد حتى ضمن السلسلة الواحدة فمثلاً الجزء الخامس من GTA قدم أول مرة 3 ابطال وأضافت الكثير من عناصر اللعب الجديدة على ريد ديد 2، كذلك هي لا تخشى من المخاطرة وطرح عناوين جديدة كلياً بأفكار جامحة كما حدث مع بولي أو LA Noir فمع روكستار هنالك دوماً تجديد بالأفكار والعناصر وليس هنالك ماكن للرتابة أو الملل. وبتاريخها قدمت أنواعاً مختلفة من الألعاب مثل السباق والتحقيق والأكشن والمغامرات وتفردت في كل نوع عن باقي الألعاب التي تنتمي لنفس ذلك النوع.
فلسفة وثقافة روكستار
سمعنا مؤخراً الكثير عما يسمى ثقافة روكستار أو فلسفة ونهج التفكير المتبع بها والتي سمحت بتميزها وتفردها بصناعة الألعاب والتي أعطتها علامة فارقة عن جميع الشركات الأخرى، فإذا ما أردنا أن نعرف ما هو سر النجاح للشركة علينا أن نفهم هذه الفلسفة ومن هو أفضل من مؤسس هذه الثقافة ليحكي لنا عنها.
إنه Dan Houser البريطاني الذي ولد عام 1974 وأمضى فترة مقتبل الشباب والمراهقة في مشاهدة أفلام الجريمة الأمريكية والسرقة ومنذ أن سطع نجم روكستار فضل هو وشقيقه سام الابتعاد عن الأضواء وكانوا دوماً يسعون لأن لا ينسب لهما وحدهما نجاح ألعاب الشركة، ورغم هذا تم اختياره هو وشقيقه ضمن أكثر 100 شخصية مؤثرة بالعالم بتصويت مجلة تايم لعام 2009، وفي 2014 نال جائزة Hall of Fame Award من أكاديمية الفنون والعلوم التفاعلية.
نعود لنتكلم عن ثقافة روكستار ففي مقابلة مجلة فاميتسو مع السيد Dan Houser عام 2011، قال أن Rockstar تجنبت عمدا تطوير ألعاب تصويب من منظور الشخص الأول لماذا؟ لأن تجنب فعل ما تفعله الشركات الأخرى هو أمر نابع من حمضهم النووي. وتابع بالقول بأن كل ألعابهم كانت مختلفة عن باقي الألعاب، فقد قاموا بصناعة نوع جديد من الألعاب بأنفسهم والحديث هنا عن الأسطورة GTA، والأهم كان كلام دان أنهم ولا مرة كانوا يتبعون توصيات البزنس وما تقتضيه مصلحة العمل التجاري ويضعون الأرباح نصب أعينهم عند تطوير أي لعبة، ببساطة هم كانوا يصنعون الألعاب التي يريدون هم لعبها لأنهم كانوا واثقين بأن بقيامهم بهذا واتباعهم هذا النهج سيقوم اللاعبون بشراء ألعابهم.
هذه الثقافة التي تحملها روكستار متجذرة وهم استمروا بها والدليل على هذا بأنه قبل طرح Red Dead Redemption 2 وفي مقابلة مع المخرج الفني Aaron Garbut بمجلة EDGE طرح عليه سؤال ما الذي يميز روكستار عن غيرها؟
فقد أشار أنهم في استوديوهات روكستار لا يحاولون تتبع الموجة إن صح القول بل هم من المطورين الذي يحاولون ابتكار الموجة الخاصة بهم. وما يميزهم هو أنهم لا ينظرون للعبة أنها مجرد مجموعة من المهام والنشاطات التي يشارك بها اللاعب ويقوم بتأديتها.
بالنسبة لهم اللعبة هي مكان يعيش فيه اللاعب ويستكشفه ويندمج فيه، ولقد قاموا بالابتعاد عن الطابع الاعتيادي لألعاب العالم المفتوح، فلعبتهم لن تكون مجرد مجموعة من المهام المنتشرة ضمن عالم كبير يحوي كذلك ألعاب صغيرة، الأمر سيكون أكثر واقعية من ذلك، فهم لا يفكرون فيها بأنها مجرد لعبة هي ستكون مكان يمكن للاعب أن ينغمس ويعيش بكل ركن من أركانه.
مضيفاً أن روكستار تعمل من خلال ألعابها المستقبلية على طرح عوالم ديناميكية وشاسعة جدا من أجل منح اللاعب تلك التجربة الواقعية والعميقة جدا حيث يمكن صنع عالم خاص بك داخل هذه الألعاب والاستفادة ربما من مميزات لن تكون متاحة لك في الواقع.
ماذا عن مغادرة دان هاوسر؟
لغاية هذه اللحظة لا يوجد أي تفسير لسبب مغادرة دان لشركة روكستار لكن قد يكون هنالك مؤشرات توضح الخفايا خلف هذا القرار، فالبعض أثار مسألة تصريح دان نفسه إبان الضجة التي واكبت التقارير عن عمل مطوري ريد ديد 2 لما يقارب 100 ساعة اسبوعيا من أجل إعطاء اللاعبين الفرصة لخوض تجربة لن تتكرر، وهنا قامت الدنيا ولم تقعد على الشركة مع اتهامات لها بإساءة معاملة الموظفين وهذا أجبر دان ليعود ويوضح بأن مدة العمل القاسية تلك لم تستمر أكثر من 3 أسابيع.
وقد قيل بأن هذا التصريح وما ترتب عليه من ردود الفعل خلق مشكلة بين دان وإدارة T2 مما أدى لمنحة إجارة مطولة ومن ثم إقالته.
الأخبار عن سوء معاملة روكستار تكررت كذلك مع تصريحات الممثل Chris Bellard الذي أدى دور CJ حيث وجه انتقاد حاد للشركة مستخدماً ألفاظ نابية ليعرب عن استيائه من الفترة التي عمل فيها مع روكستار، والبعض أشار إلى أن هذا مرده لوجود خلافات مادية بين الطرفين حيث عاد Chris ورد على استفسار أحد اللاعبين ليخبره بأن الشركة لم تعطه حقوقه ولم تهتم إن كان يأكل أم لا.
من ناحية أخرى ربما يكون السبب أيضاً يتعلق بخلاف على مدة تطوير المشاريع حيث ظهرت تقارير مؤخراً تحدثت عن أن T2 تضغط على روكستار من أجل أن تعود للإصدار الدوري للألعاب وتقصير مدة تطوير المشاريع، فهذا ربما يكون ولد أيضاً خلافاً بوجهات النظر بين دان والشركة الأم لذا آثر الانسحاب.
كما ذكرت أعلاه دان ليس شخص إداري فقط في روكستار بل هو مؤثر بشدة ومن مؤسسي ثقافة روكستار وهذا جعل الكثيرين يثيرون المخاوف عن مستقبل الشركة بعد مغادرته، لكن T2 حاولت قبل أيام أن تقلل من شأن ذلك الامر عبر قولها بأن سام شقيق دان سيستمر بمنصبه وهو ملتزم مع روكستار وبأنه بالرغم من الإجازة المطولة لدان منذ ربيع العام الماضي 2019 فإن الشركة لم تكن في حال أفضل من ماهي عليه الان. والشركة لن تشهد مغادرة أي أشخاص آخرين بعد مغادرة دان. عموما وحدها الأيام ستجيبنا عن هذا السؤال “هل ستؤثر مغادرة دان على روكستار أم لا؟”.
بالختام نحن لا نقول بأن على كل الشركات أن تتبع سياسة روكستار لأننا بهذه الحالة ربما لن نحصل بعمر الجيل الكامل إلا على ألعاب يمكن عدها على أصابع اليد، لكن على الأقل يمكن أن تتخذ كل شركة معيار من المعايير المتبعة لدى روكستار وتضيفها لألعابها فنحن بهذه الحال سنحصل حتماً على ألعاب بجودة أعلى.
والأهم بالنسبة لي أن وجود روكستار بالصناعة يكشف زيف ادعاءات غالبية الشركات بأن سوق ألعاب القصة قد مات والطلب حالياً على الأونلاين فقط، فهي وإن قدمت أطوار أونلاين لكن هذا يكون دائماً بعد تقديم طور قصة كامل وضخم بعمر طويل وأخذ كل حقه بالتطوير وليس هامشي بساعات معدودة كما يفعل الباقيين وكأن الأمر واجب منزلي عليهم إنجازه والسلام.