كثر الجدل قبل عدّة أشهر حول موضوع استغلال داعش للألعاب الإلكترونية. وخلال تلك الفترة، تواصلت معي أحد الجهات وطلبت مني تقريراً يشرح ارتباط داعش بالألعاب الإلكترونية منذ ظهور أول إشاعة وحتى اليوم. فقمت باعداد التقرير أدناه، وأنشره الآن للفائدة العامة بعد أن فضّلت تلك الجهة عدم الاستفادة منه.
بداية ارتباط داعش بالألعاب الإلكترونية
بدأ ارتباط داعش بالألعاب الإلكترونية في شهر سبتمبر 2014 ،عندما تناولت المواقع الإخبارية فيديو إعلاني للعبة جديدة من تطوير التنظيم الإرهابي باسم “صليل الصوارم”. يستخدم الفيديو المنسوب إلى “المنبر الإعلامي الجهادي” (أحد الأذرعة الإعلامية للتنظيم) عدة مشاهد تم تسجيلها من لعبتي 5 Grand Theft Auto و 3 Arma تم دمجها لتبدو كلعبة جديدة (أو معّدلة) مستقلة تابعة للتنظيم.
إلى وقت كتابة هذا التقرير لا يوجد أي فيديو آخر أو أي مواد ترويجية إضافية للعبة غير ذلك الفيديو الذي نُشر في عام 2014 ،مما يعني أنه مجرد إنتاج إعلامي لا أكثر. حتى بعد البحث والتحرّي عن أي ألعاب تابعة للتنظيم (سواء كتطوير كامل أو تعديل على لعبة تجارية)، لم نجد أي أثر لتلك الألعاب.
نسخة معدلة من إعلان اللعبة:
(الفيديو الأصلي احتوى على نشيد “صليل الصوارم” بدلًا من الموسيقى، ولكنه محذوف الآن)
استخدام الألعاب كوسيلة للتواصل والتجنيد
في يوليو 2015، بدأت عدة جهات إعلامية (أبرزها قناة العربية وجريدتي الشرق الأوسط والرياض) بدأت بنشر تقارير عن استخدام داعش للألعاب الإلكترونية كوسيلة للتواصل والتجنيد، وتبعها العديد من المواقع الإخبارية في ذات الشهر، ولم أجد أي مصدر يمكّنني من التحقق من تلك التقارير عدا مصدر قناة العربية الذي تم الإشارة إليه كـ”تقارير استخباراتية” فقط دون توضيح.
استمر ظهور تلك التقارير دون مصدر واضح أو موثوق حتى نوفمبر 2015، عندما نفّذ الإرهابيين عمليات إرهابية في العاصمة الفرنسية أدت إلى مقتل أكثر من 100 شخص، وصرّح بعدها وزير الداخلية البلجيكي بأن “مراقبة ما يحدث في جهاز البليستيشن 4 اكثر صعوبة من مراقبة الواتساب”.
استخدمت العديد من الجهات الإعلامية عالميًا هذا التصريح كدليل على استفادة داعش من الألعاب الإلكترونية (وهو ما أشارت له مجلة Forbes في تقريرها المغلوط)، وألمحت التقارير أن البلايستيشن 4 قد يكون أحد الأدوات التي استخدمها الإرهابيين لتنفيذ عملية باريس، وهو أمر لم يتم تأكيده من السلطات الفرنسية، وأتّضح لاحقا أن تصريح وزير الداخلية البلجيكي كان عن الوسائل التي يستفيد منها داعش بشكل عام (من وجهة نظره)، وليس محاولة لربط جهاز البلايستيشن مع أحداث باريس.
بناء على خبرتي الطويلة مع الألعاب الإلكترونية، أستبعد استخدام التنظيم لها كوسيلة تجنيد أو تواصل أساسية، وذلك لسببين:
- التواصل من خلال هذه الشبكات غير عملي نهائيا. أغلب اللاعبين الذين تصادفهم خلال اللعبة “أونلاين” لا يستخدمون المايكروفون للتواصل، ولا يستخدمون الرسائل للتواصل فيما بينهم بشكل أساسي وذلك لصعوبة الكتابة من خلال يد التحكّم (تظهر لوحة تحكم افتراضية على الشاشة ويجب عليك التوجه الى كل حرف باستخدام الأسهم واختياره لكتابته في الرسالة).
- صعوبة تكوين العلاقات (نسبياً) داخل تلك الألعاب، لما تتطلبه عادة من قضاء ساعات طويلة لاحترافها والتعّرف على من يرغبون باللعب معك فيها.
ولكن لا يعني ذلك أنه لا يوجد هواة ألعاب الكترونية من داعش أو المتعاطفين معهم ممن يحاولون استدراج لاعبين آخرين بجهود فردية.
مراقبة شبكات الألعاب لمستخدميها
لا تقوم أجهزة الألعاب الإلكترونية بمراقبة مستخدميها، وإنما تعتمد بشكل أساسي على بلاغات المستخدمين لأي إساءات أو نشاطات مشبوهة يواجهونها خلال لعبهم، ومن ثم يقومون باتخاذ الإجراء اللازم مع البلاغ، سواء كان يمكن حله داخلياً أو بالتنسيق مع السلطات المعنية.
وبما أن جهاز البلايستيشن 4 هو المسيطر على الأسواق المحلية، بحثت في “شروط استخدام البرمجيات” الخاصة بهم، ووجدت أنه لا يمكنهم مراقبة جميع النشاطات التي تحدث في شبكتهم (بند 14) ولكن يمكنهم تسجيل البيانات التالية لمستخدم معيّن وارسالها للسلطات:
- اسم المستخدم على شبكة بلايستيشن.
- عنوان المستخدم على شبكة الإنترنت (Address IP).
- محتوى الرسائل النصّية والصوتية.
- مقاطع فيديو من تصرفات اللعب داخل اللعبة.
مما يعني أن شركة سوني تملك القدرة في التعاون مع السلطات في مراقبة المشتبه بهم، ومعرفة نشاطاتهم على شبكة بلايستيشن.
ألعاب تم تعديلها من قبل التنظيم
يمكن لأي مطوّر تطوير “تعديلات” (تسمى Mods) لأي لعبة إلكترونية تصدر على جهاز الحاسب الآلي، ليتمكّن لاعبين آخرين من تحميل تلك التعديلات وإضافتها لنفس اللعبة بعد تحميلها. قد تشمل تلك التعديلات على تغييرات في أسلوب اللعب أو شخصيات اللعبة أو عوالمها بشكل عام. يمكن حالياً تطوير تعديلات لألعاب الأجهزة المنزلية مثل أجهزة البلايستيشن (الأكثر انتشارا) وأجهزة الإكس بوكس، ولكن بشكل محدود جداً ومراقب، بينما يمكن تطويرها من أي شخص ولأي غرض لألعاب أجهزة الحاسب الآلي.
وبما أن التعديلات يسهل تطويرها مقارنة بتطوير لعبة إلكترونية من الصفر، بحثت عن أي تعديل قام بتطويرها التنظيم للتجنيد أو نشر فكره من خلال الألعاب الإلكترونية، ووجدت بعض التعديلات التابعة للعبة حربية شهيرة اسمها 3 Arma. أبرز هذه التعديلات يضيف علم التنظيم الإرهابي، بالإضافة لزي الجنود التابعين للتنظيم وصيحاتهم خلال المعارك كما في هذا الفيديو:
يدّعي الموقع الذي تم إطلاق التعديل من خلاله (من أشهر مواقع تعديلات لعبة 3 Arma) أن الشخص الذي قام بتطوير التعديل ليس من أفراد التنظيم، وأنه مجرّد شخص رغب في محاكاة تنظيمهم داخل لعبة فقط.
إمكانية تطوير داعش لألعابهم الخاصة مستقبلاً
يتطلب تطوير ألعاب تنافس مستوى الألعاب التي يهواها الشباب ميزانيات ضخمة وقد يستغرق تطويرها عدة سنوات، بالإضافة إلى أن المنصات الرسمية لبيع الألعاب لن تقبل بنشر أي ألعاب تابعة للتنظيم أو تتعاطف معه بطبيعة الحال، مما قد يجبر التنظيم إلى اللجوء لتطوير ألعاب على جهاز الحاسب الآلي (الأقل انتشاراً) أو أجهزة الأندرويد، ونشرها من خلال قنوات غير رسمية، مما سيحد كثيراُ من استفادتهم من هذا الأمر.
محاولة استقطاب الشباب عن طريق محاكاة هواياتهم
بعد بيان الأمين العام للأمم المتحدة الذي يؤكد أن نسبة المقاتلين الأجانب المنضمين إلى داعش زادت بنسبة 70 % بين منتصف 2014 وشهر مارس 2015 ،حلل باحث في جامعة كولومبيا للفنون والعلوم 845 حملة ترويجية أطلقها التنظيم مابين يناير 2014 و سبتمبر 2015، بمعدل حملة لكل يوم. استنتج الباحث من خلال التحليل النوعي (Qualitative Analysis) أن أكثر من 15% من الحملات مستوحاة من أفلام وألعاب إلكترونية وفيديوهات غنائية شهيرة.
توجّه التنظيم للترويج بهذه الطريقة هو بلا شك أكثر فعالية من الأسلوب المباشر الذي كان يستخدمه تنظيم قاعدة. فبدلاً من مواجهة الكاميرا والحديث إليها، بدأ يركّز بشكل أكبر على إخراج الفيديوهات بشكل مألوف ومحبّب للشباب لمخاطبة العواطف بدلاً من العقول، مما يسهّل انضمامهم.
كمثال على أحد هذه الفيديوهات فيديو الإرهابي “ابو مسلم الكندي”، والملاحظ به مخاطبة العاطفة والحس البطولي أكثر من التركيز على الجانب الديني. (ملاحظة: قمت بازالة الرابط من التقرير المنشور في الموقع حتى لا أساهم بشكل غير مباشر في نشر رسالتهم)
تأثير الألعاب العنيفة على اللاعبين
على الرغم من الربط المستمر بين العنف والألعاب الإلكترونية لدى الإعلام والمجتمع (أو الأعمال الإجرامية والعنف في الألعاب)، إلا أنه علمياً لم يثبت وجود رابط مباشر بين الاثنين.
فالألعاب العنيفة لا تحتوى المشاهد العنيفة فحسب، وإنما عدة عناصر أخرى مثل سرعة اللعب، شدة المنافسة بين اللاعبين (أو بين اللاعب والذكاء الصناعي للشخصيات)، وغيره، وكل منها لها تأثيره المستقل على اللعب، وهذا ما استنتجته دراسة اختبرت نوعين من نفس اللعبة لقياس تأثيرها على عدوانية اللعب: واحدة بعنف وواحدة معّدلة بدون عنف.
دراسة أخرى استنتجت أن نوع معيّن من الناس فقط يمكنه التأثر (أو يكون أكثر عرضة للتأثر) بالألعاب الإلكترونية العنيفة (يمكن تفصيل هذه النقطة في تقرير مستقل). ومع وجود عدة دراسات عن تأثير العنف في الألعاب الإلكترونية، إلا أنه أمر يصعب اثباته، وذلك لاتفاق العلماء بأن العنف والعدوانية يتأثران بالعديد من العوامل، مثل الجينات، والمحفزات في البيئة التي يعيش بها الشخص، وشخصية اللاعب، والظروف التي مر بها بشكل عام في حياته. فلا يمكن القول أن العنف في الألعاب لها تأثير سلبي عام، وإنما تأثير سلبي يخص نوعية محّددة من الناس يمكن تحديدها ومعالجتها.
خاتمة
على الرغم من عدم ثبوت تواجد داعش رسمياً على منصات الألعاب الإلكترونية، إلا أنه يظل احتمالاً قائماً، وخياراً مغرياً بالنسبة للتنظيم الذي يستهدف الشباب عادة للتجنيد، وأبرز الحلول التي أقترحها لمحاربته هي:
- تتبّع نشاطات المشتبه بهم على شبكة البلايستيشن بالتعاون مع شركة سوني (من خلال الجهات الرسمية) لمعرفة المزيد عن نشاطاتهم وآلية تجنيدهم.
- الاستثمار في تطوير ألعاب الكترونية ممتعة ترسّخ القيم الوطنية وتحارب الفكر المتطرّف. للجيش الأمريكي تجربة في تجنيد المواطنين من خلال لعبة قاموا بتطويرها (اسمها America’s Army) وساهمت في تجنيد مابين 20 إلى 50 بالمئة من الجنود في عام 2005، وبإمكاننا الاستفادة من التجربة للوصول لنتائج ايجابية.