لابد وأن الكثير منكم قد سمع مؤخراً بالـ NFT وانتشارها بعالم صناعة الألعاب، والمؤكد بأن البعض يتساءل عن معنى هذا المصطلح، ولمَ الشركات متحمسة لإدراجها بألعابهم؟ لذا سنسلط الضوء في مقالنا هذا من سوالفنا حول ألعاب الـ NFT ومعناها والآراء المنقسمة حولها بين المطورين والشركات.
ما هو الـ NFT؟
بالبداية سأوضح ما الذي تعنيه تلك الأحرف الثلاثة، هي اختصار لـ non-fungible tokens أو رموز غير قابلة للاستبدال، طبعاً من الطبيعي أن تلك العبارة أيضاً لم توضح أي شيء عن المعنى فهي كمن فَسَّرَ الماءَ بعد الجهدِ بالماءِ.
عبارة “غير قابلة للاستبدال” تعني أن عناصر الـ NFT هي أصول رقمية فريدة ولا يمكن استبدالها بشيء آخر، في حين أن العملات المشفرة مثل عملة بيتكوين قابلة للاستبدال بعملة أخرى بنفس القيمة.
الفكرة هي أن الـ NFTs تمنح الشخص صك ملكية أصل رقمي إما صورة أو مقطع فيديو أو رسم أو تغريدة أو مقطع موسيقي، بحيث يمكنهم تحقيق الدخل من تلك الملكية. تعتمد الأصول الرقمية غير القابلة للاستبدال NFTs على تقنية البلوكشين والتي تسجل التاريخ الكامل لجميع مالكيها.
المبالغ التي يتم دفعها لقاء شراء تلك الأصول الرقمية تصل إلى مبالغ خيالية، حيث دفع أحد الأشخاص ما ما يقارب من 390 ألف دولار مقابل مقطع فيديو مدته 50 ثانية، كما دفع شخص آخر 6.6 مليون دولار مقابل مقطع فيديو، واشترى أحد الأشخاص تغريدة لجاك دورسي مؤسس تويتر مقابل ما يقرب من 3 مليون دولار. وتم بيع الميم “Doge” الشهير الذي يصور كلب من نوع شيبا إينو كـ NFT مقابل 4 ملايين دولار.
كيف يتم تطبيق الـ NFT بألعاب الفيديو؟
مؤخراً ظهر ما يُعرف بألعاب Blockchain والـ NFT والتي مزجت بين عالم المال والألعاب، وحولت عالم الألعاب إلى عالم ربح وتسلية. وهي تعتمد على مبدأ الربح من اللعب play2earn، مما يعطي للاعبين فرصة لكسب دخل من خلال اللعب، حيث يتم مكافئة اللاعب بالأصول الرقمية NFTs. وكلما لعبت لفترة أطول كسبت أكثر.
وهي عادةً تطلب من اللاعب أن يقوم بدفع مبلغاً مقدماً كاستثمار في اللعبة من خلال العملات المشفرة (تتراوح من 60 دولارًا إلى أكثر من 600 دولار في بعض الحالات ، على سبيل المثال). وذلك لتجربة اللعبة وجمع العناصر المختلفة داخلها، ويمكن للاعب امتلاك أصول باللعبة من ثم يعمل على بيعه للاعبين آخرين وكسب المال مقابله.
ألعاب NFT يمكن أن تمثل شخصيتك الفريدة أو الصورة الرمزية الخاصة بك على أنها NFT فريدة وخاصة بك فقط. ولتوضيح آلية تطبيقها بالألعاب فإن فريق التطوير GSC Game World سبق وكشف بأن لعبته S.T.A.L.K.E.R. 2. ستدعم تقنية أو نظام NFT بحيث يمكن لأي لاعب شراء شخصية داخل اللعبة تحاكي شكل اللاعب لتكون إحدى الشخصيات غير القابلة للعب داخل اللعبة. وهذا اللاعب طبعاً يدفع أموالاً مقابل تواجد شخصيته باللعبة.
لعبة Ghost Recon Breakpoint ستملك أيضاً عناصر NFT التي يقدمها نظام Ubisoft Quartz بـDigit، يمتلك كل عنصر رقمًا “فريدًا” برقم تسلسلي سيكون مرئيًا للاعبين، على سبيل المثال، قد يكون للبندقية رقمًا واضحًا على خزنة السلاح، أو سيكون للخوذة رقمًا واضحًا على حافتها، وستتم إضافة أسماء المستخدمين المالكين لتلك العناصر إلى البيانات الوصفية الرسمية، مما يؤدي إلى إنشاء سجل ملكية لـ NFT لكل لاعب، كذلك ستأتي تلك العناصر مع مقطع فيديو يستعرض العنصر الذي يتم استخدامه داخل اللعبة.
وقالت الشركة بأنها تخطط لإطلاق ثلاثة عناصر، وستتوفر للاعبين مجانًا مع ضرورة الحصول عليها في فترة زمنية محدودة، ويجب على اللاعبين استيفاء معايير معينة ليكونوا مؤهلين للحصول على تلك العناصر، حيث تتطلب البندقية أن تكون قد وصلت إلى المستوى الخامس من حيث نقاط الخبرة (XP) في Ghost Recon Breakpoint، بينما تتطلب السراويل أن تكون قد لعبت 100 ساعة على الأقل، والخوذة 600 ساعة على الأقل.
انقسام المطورين ما بين مؤيد ومعارض
في الأشهر الماضية سمعنا تصريحات من شركات عدة حول حماسها لتقديم ألعاب NFT، فمثلاً Square Enix وشركات ألعاب أخرى قالت علناً بأنها تدرس التوسع بألعاب العملات المشفرة و الـ NFTS، سكوير انكس وبحسب المحلل دانييل أحمد تخطط للتوسع مستقبلاً بتطوير ألعاب البلوك-تشين و الـNFT، وهي ترى بأن الألعاب تتجه نحو اللامركزية، وأضاف أحمد بأن الشركة اختبرت هذا النظام مع لعبة الجوالات Shi‐San‐Sei Million Arthur وحصدت نجاحاً تجارياً عبره. وهذا شجعها للمضي قدماً والاستثمار والتوسع أكثر مع الألعاب التي تعتمد على هذا النموذج.
وسبق وأن أكد أندرو ويلسون، الرئيس التنفيذي لشركة EA بأن ألعاب NFT وألعاب “اللعب من أجل الربح” هي “مستقبل الصناعة”، لكنه أضاف أنه لا يزال من المبكر معرفة كيفية عمل تلك العناوين.
وكما ذكرت أعلاه يوبيسوفت كانت أكثر شجاعة منهما وأعلنت اقتحامها عالم العملات المشفرة وألعاب NFT مع Ubisoft Quartz، ولكن هذا الإعلان قوبل برفض واسع من قبل الجمهور مما اضطر الشركة الفرنسية لإخفاء فيديو الإعلان عن المنصة. الرفض لم يكن من جهة اللاعبين فقط بل حتى بعض المطورين داخل يوبيسوفت أعربوا على عدم رضاهم من تلك السياسة، وهنا خرج رئيس الشركة ليدافع بالقول بأن هذا تغيير كبير ويتطلب بعض الوقت. مع تسجيل إقبال ضعيف على شراء عناصر الـ NFT التي طرحتها يوبيسوفت. فمن أصل 2,000 عنصر طرحته الشركة قبل 6 أيام تم بيع 6 فقط. لكن رغم هذا الإقبال الضعيف فإن رئيس الشركة Yves Guillemot أخبر موظفيه بأن إطلاق عناصر NFT ما هو إلا البداية والخطوة الأولى بطريق التوجه لتقنية الـ blockchain.
كذلك قيل بأن مشروع مبتكر Fable المقبل قائم على نظام الـ Blockchain و NFT. في حين أعلن مطور S.T.A.L.K.E.R. 2. بأنه عاد وتراجع وألغى خطط إضافة الـ NFT بلعبته.
وما بين كل هؤلاء المتحمسين لتلك التقنية هنالك من هو ضدها وينتقدها بشدة، فمؤخراً انتقد رئيس اكسبوكس Phil Spencer ألعاب الـ NFT و وصفها بالاستغلال، وبهذا انضم سبنسر إلى رئيس فالف الذي يعارض كذلك هذا التوجه، فمؤخراً قامت فالف بحظر أية تعاملات أو بيع أي لعبة تتضمن تعاملات بنظام NFT عبر ستيم، وهذه الخطوة دفعت بمطوري نحو 26 لعبة للاعتراض وتوجيه رسالة لفالف احتجاجاً على هذه الخطوة، وهؤلاء قالوا بأن نظام الألعاب التي تتضمن تعاملات بالعملات المشفرة هي المستقبل للصناعة كونها تفتح فرصاً أخرى لكل من المطورين واللاعبين للحصول على أرباح أكثر.
ولعل الرأي الأكثر صراحةً وصرامةً كان على لسان جوزيف فارس الذي قال “أفضل تلقي رصاصة بقدمي على أن أضيف الـ NFT لألعابي“. ويعتبر فارس بأن أي شيء يتم التفكير فيه من قبل المطورين لجعل اللاعبين يدفعون أموالاً أكثر فهو أمر خاطئ وعلى المطورين تجنب ذلك.
وأضاف بأن أي رئيس تنفيذي سيعتبره شخص غبي لأن الشركات هدفها دوماً جني الأموال، لكن بالنسبة لجوزيف فهو يرفض ذلك وبالنسبة له الألعاب فن.
هل سيضيف لصناعة الألعاب؟
ما بين مصطلح “ادفع لتفوز” Pay to Win ومصطلح “العب لتكسب” play2earn فرق كبير وشاسع دون شك، وطبعاً هذا ليس كلامي إنما هو ما يسوق له من تبنى نظام ألعاب NFT، فهذه النقطة التي تعول عليها الشركات المتحمسة لتلك الألعاب. فهؤلاء يروجون لتلك الفكرة بأنها وسيلة تمكن اللاعب من التربح من خلال اللعب. أي أنها تعتبر بمثابة فرصة للاعبين لبدء مشروعهم التجاري الخاص بهم. فهناك ألعاباً يمكنك من خلالها ربح آلاف الدولارات شهرياً.
على المقلب الآخر هناك من يحذر من خطورة تلك الألعاب سواءً لناحية فقدان عامل الأمان كاحتمال التعرض لاختراق ما يفقد اللاعب ما كسبه من أموال عبر هذا النظام، أو مخاطر تقلبات العملة المشفرة، والتي يمكن أن تنخفض قيمتها أو ترتفع بسرعة كبيرة لأنها يمكن أن تؤثر على الأموال التي تربحها أو الاستثمار الأولي الذي يتعين عليك القيام به في اللعبة. بجانب مخاوف طبعاً من تأثير هذا التوجه على نوعية الألعاب وجودتها مع ميل الشركات نحوها للتربح أكثر كما سبق وفعلت صناديق الغنائم والمشتريات وتأثيرها على الألعاب.