“GAME IS NOT OVER” (اللعبة لم تنته بعد) كانت هذه العبارة مكتوبة على جهاز طباعة إيصالات الدفع للمشاركة في بطولة Tekken 7 في مقهى الألعاب بالخبر Versus، علمت فيما بعد بأن هذه العبارة تمثل الشعار الذي تبناه المقهى. كنت قد زرت المكان قبل شهر ونيف ولم يكن قد مضى على افتتاحه حينها أكثر من 3 أسابيع، على الرغم من انبهاري بالمكان وترتيبه إلا أنه إذا ما استثنينا الموظفين الثلاثة فإنه لم يكن هناك في ذلك الوقت سوى 4 أشخاص في المكان، صارحني في ذلك اليوم الشاب علاء كانو (أحد الشركاء في تأسيس المكان) بأنه يطمح بأن يكون المقهى بمثابة النادي الذي يجمع محبي ألعاب القتال في المنطقة لصقل مهاراتهم ، وبأنه يأمل في تنظيم بطولات لألعاب مختلفة بشكل أسبوعي.
المشهد في هذه الليلة كان مختلفاً تماماً، المكان الذي كان هادئاً أصبح يضج بالزبائن الذين أتوا إما للمشاركة في البطولة أو لتشجيع أصدقائهم. فبالإضافة للاعبين الذين سجلوا في البطولة عن طريق التسجيل الإلكتروني كان هناك –كما بدا لي- آخرون أتوا للتسجيل المباشر في المحل نفسه. في نهاية المطاف كان هناك 47 متنافساً على الـ1500 ريال التي تمثل مجموع الجوائز للبطولة التي أجريت في الثامن من سبتمبر لهذا العام.
تجولت في المكان أراقب اللاعبين الذي أتوا قبلي وقد توزعوا على الأجهزة الخمسة وبدأوا في الإحماء للبطولة. رأيت أحد اللاعبين ينفذ كمبوات أكوما بإتقان فأسررت في نفسي “أتمنى أن لا يرميني الحظ في قبضتك”. بشكل واقعي لم أكن أطمح في الفوز بالبطولة ولا حتى الوصول للمراكز المتقدمة، كنت أعلم يقيناً بأنني لست لاعباً جيداً لكنني على الأقل أفهم أساسيات اللعبة. كنت قد أخبرت أصحابي بأن هدفي من المشاركة هو الفوز في مباراة واحدة.
بعد عشر دقائق من الانتظار أتى أحد المنظمين ودعا اللاعبين الذين كانوا يقومون بعملية الإحماء للانتقال إلى جهاز آخر. وعندما سألوه عن السبب أخبرهم بأن البث على موقع Twitch قد ابتدأ وبأن المنظمين يريدون أن يشغلوا البث حتى حين ابتداء البطولة. لم يكن أحد من اللاعبين متحمساً للفكرة وظل صاحبنا يلح في السؤال ” أقسم أن الجهاز لا يعض يا إخوان” من دون طائل. أشفقت على الرجل وقلت في نفسي بأن هذه فرصة للإحماء فأنا لم ألعب اللعبة منذ ثلاثة أسابيع وتبرعت للمشاركة، ما إن جلست على الكرسي حتى تحمس لاعب آخر وانضم لي على البث المباشر.
كانت قوانين البطولة تنص على أن يحضر كل لاعب عصا التحكم الخاصة به، لست ضليعا في ألعاب القتال ولم أمتلك أي لوحة تحكم خاصة. أحضرت معي عصا بلاي ستيشين 4 عادية، وحينما هممت بتعريفها على البلايستيشن وجدت بأن صاحبي الذي جلس بجواري يمتلك إحدى تلك اللوح الغريبة التي يستخدمها المحترفون الذين أراهم في اليوتيوب.
صافحت محمد –أعتذر إذا تذكرت اسمك بشكل خاطئ- وتمنيت له حظاً موفقاً. اخترت الشخصية الوحيدة التي ألعب بها (پول) واختار هو(شاويو)، وبينما كنا ننتظر بدء المباراة مازحني بالقول “معروف أن پول شخصية غشاشة”. ابتدأتُ المباراة بقوة وهاجمته بدون هوادة حتى حكرته عند الجدار وأجهزت عليه لتنتهي الجولة بسرعة. تكررت العملية في الجولة التالية، لم يكن محمد يغضب وكان يتقبل الخسارة بروح مرحة وكان يذكرني بعد كل جولة بأن (پول) شخصية غشاشة وبأنه علي أن أخجل من اختياري له.
لعبنا لوقت طويل واستطاع أن يستلب مني بضع مباريات في نهاية المطاف. سألت محمد إن كان مرتادي المكان فأخبرني بأنه يزور مقهى “Versus” ثلاث مرات في الأسبوع ولكنه لا يقتصر على لعب تكن، فهو يستمتع بلعب أوفروتش ومورتال كومبات كما أنه يشارك في ألعاب الطاولة التي تقام في المكان. استأذنت من محمد وتركته. نظرت من حولي فرأيت أن مبارياتي مع محمد كانت تعرض على الشاشتين الضخمتين في المكان عن طريق البروجيكتور.
لسببٍ ما تأخر ابتداء البطولة ونظراً للإقبال الكثيف على البطولة كانت تجرى المباريات بشكل متاوزٍ على 6 أجهزة، ويتم اختيار إحدى المباريات ليتم بثها. لم تكن عملية إعلام اللاعبين بحلول وقت مباراتهم تجري بشكل سلس، كان علاء يجوب المكان منادياً بأسماء اللاعبين المشاركين، ولم تكن تلك بالمهمة السهلة نظراً للإزعاج في المكان. وبما أن اللاعبين كانوا يستخدمون أسماءً مستعارة فإن علاء كان يواجه تحدياً آخر في قراءة الاسماء. بسبب كثرة المشاركين ومحدودية الأجهزة المخصصة للبطولة، لم يحالفني الحظ للمشاركة في أي من المباريات الستة التي أقيمت وكان علي أن أنتظر حلول دوري بعد انتهاء هذه المباريات.
وأخيراً تم النداء باسمي، توجهت نحو الجهاز المخصص لمباراتي. سألني خصمي إن كان لدي أي اعتراض على اختياره للجهة اليسرى فقلت له إن الأمر سيان بالنسبة إلي. بمجرد ابتداء المعركة بدا واضحاً لي أن هناك تأخيراً في الاستجابة (Lag)، لا أعلم إن كان السبب هو البلايستيشن أم الشاشة أو عصا التحكم، لكن الجلي بالنسبة لي كان وجود تأخير في الاستجابة وهو ما أزعجني بعض الشيئ. فزت في المباراة الأولى وكان نظام البطولة يحتم عليك الفوز في مباراتين لتعتبر الفائز. دخلنا المباراة الثانية بنفس اللاعبين أنا بـ(پول) الغشاش وخصمي بـ(جين)، قبل ابتداء المباراة الثانية صارحته بوجود تأخير في الاستجابة لكنه لم يشاركني رأيه في الموضوع، استكملنا المباراة الثانية وهزمته بشكل مقنع، تنفست الصعداء عندها فبهذا الفوز أكون قد حققت انتصاراً واحداً لكن شيئاً بداخلي لم يكن راضياً فكنت أشعر بأن الحض قد حالفني مع خصمي، لكن في النهاية يظل الانتصار انتصاراً.
بينما كنت في انتظار مباراتي الثانية صادفت صديقي محمد الذي أجريت معه الإحماء في البداية، سألته عن وضعه فأخبرني أنه فاز على خصمه بصعوبة بالغة، فبالإضافة لخسارته المباراة الأولى كان خصمه قد جلب معه مجموعة من المشجعين الذين كانوا ينالون منه ويشدون من عزيمة صاحبهم، لكنه على الرغم من ذلك تمكن من الفوز في المباراتين التاليتين ليحقق انتصاره الأول.
وبالحديث عن المشجعين يبدو أن عدداً كبيراً من المشاركين كانوا قد أتوا إلى البطولة بشكل جماعي. لاحظت وجود جماعة كبيرة متحزبة في إحدى أركان المكان قوامها أكثر من 15 شخصاً ولا أحسبهم جميعا أتوا للمشاركة، هذا يعني بأن هناك من تجشم عناء الطريق إما ليشجع أصدقائه أو فقط بغية الاستمتاع بمشاهدة بعض المباريات على الشاشة العملاقة وسط الجمهور. وجدت لنفسي مكاناً على إحدى الكنبات الموجودة في المكان وانضممت لمجموعة المتفرجين، كان الجو مفعما بالحماس والجمهور يتفاعل مع كل ريج آرت Rage Art كما لو كانت نهائي كأس العالم.
لم يدم انتظاري طويلاً قبل أن يتم استدعائي لمباراتي الثانية، وجهني علاء للجهاز الذي يستخدم للبث المباشر على تويتش، استبشرت بذلك لأني لم أواجه أي تأخير في الاستجابة عندما استخدمت هذا الجهاز وقت الإحماء، لكن هذه السعادة لم تدم عندما رأيت اختيار منافسي لشخصيته (كوما). توجست لمجرد رؤيتي لكوما فلم يسبق لي أن لعبت ضد كوما ولا أمتلك أدنى فكرة عما يستطيع فعله، حاولت الابتعاد عن التفكير في شخصيته والتركيز على خطتي، كل ما علي فعله هو مواصلة الضغط ولن يتمكن حينها من لعب شخصيته.
بدأت الجولة الأولى كما في الخطة وتمكنت من الإيقاع بالدب وتنفيذ كمبويين حسمتا الجولة لصالحي، حسناً كل شيء يجري بشكل جيد حتى الآن، أحتاج للمواصلة على هذا المنهاج وسيكون الفوز حليفي. لا أعلم إن كان خصمي يحاول قراءة أسلوبي في الجولة الأولى أو أنه لم يكن في أوج تركيزه لكن الأكيد بأن الذي تبع تلك الجولة كان أقل ما يمكن وصفه به هو مجزرة اختتمت بجولة مثالية Perfect، نعم عزيزي القارئ كانت مجزرة تم فيها ذبح پول الغشاش وسلخه أمام الجمهور.
صافحت خصمي ورجعت لمكاني على الكنبة بين الجمهور بعد هذه الهزيمة المذلة، كنت منزعجاً من أدائي في المباراة، كانت تحركاتي بطيئة ومكررة، وبعد أن خسرت جولتين تسلل الخوف إلي وتوقفت عن الهجوم وأصبحت ألعب بشكل دفاعي مما أعطى خصمي الحرية التامة للضغط علي. كنت أنظر إليه وأعلم ما يتوجب عليه فعله لكنني بدلاً من استغلال الفرص كنت أقف في مكاني منتظرا لكمته التالية. لاشك بأن خصمي كان متمكناً من اللعبة أكثر مني لكن كان بإمكاني أن أقدم عرضاً أفضل لو أنني حافظت على هدوئي ولعبت كما ألعب في العادة. هذه الخسارة لا تعني خروجي من البطولة فكل لاعب يمتلك فرصتين لنيل اللقب.
في أثناء جلوسي، سألني الشخص الذي بجواري إن كنت من المشاركين في البطولة، أخبرته بأن مباراتي للتو عرضت على الشاشة التي أمامه، قاطعني بحماس “أنت پول اللي تسطر؟”.
عرف الرجل بنفسه بأنه عبد الله -أيضا أعتذر إن تذكرت اسمك بشكل خاطئ- وهو أخ لأحد مؤسسين المكان وبأنه أتى للاستمتاع بمشاهدة المباريات. سألني عن رأيي بالحدث فأجبته بأن الجو والمكان رائعين وبالرغم من وجود بعض الأمور التنظيمية التي يمكن تطويرها، إلا أن ذلك أمر يمكن تفهمه نظراً لعدم تواجد خبرة كبيرة في تنظيم مثل هذه البطولات في المنطقة. تحدثنا مطولاً عن تعطش اللاعب السعودي لمثل هذه البطولات وبأنه وبسبب البنية التحتية للانترنت فإن اللاعب السعودي يجد صعوبة في تطوير مهاراته اونلاين، فتصبح مثل هذه التجمعات هي المتنفس الوحيد له. أخبرني أيضا بأن المكان كان قد أجرى بعض البطولات في السابق لكن هذه البطولة كانت الأكبر على مستوى الإقبال وبأنها المرة الأولى التي يتم فيها بث المباريات بتعليق عربي.
تم النداء باسمي وتوجهت للجهاز مع خصمي، لحسن الحظ لم يتم اختيار مباراتنا لتعرض أمام الجمهور. لم أكن مستعداً للمزيد من الفضائح. اختار خصمي (كنج). ابتدأت الجولة الأولى وفزت بسهولة، في خضم الجولة الثانية تمت مقاطعة المباراة من قبل شخص كان يحاول الدخول على الجهاز عن طريق عصا التحكم اللاسلكية الخاصة به، وكانت هذه إحدى التحديات الكبيرة التي واجهت المنظمين. على الرغم من أن تعليمات البطولة نصت على أنه يتوجب على كل لاعب أن يقوم بفصل عصا التحكم الخاصة به من الجهاز فور فروغه من المباراة، إلا أن الكثير من اللاعبين كان ينسى القيام بهذا العمل مما يتسبب في عرقلة المباريات اللاحقة على نفس الجهاز في حال تم تشغيل هذه العصا بشكل عفوي.
انتظرنا بعض الوقت حتى أدرك الشخص المعني بالعصا خطأه وقام بعملية فصل عصاه من الجهاز، وبما أنه لم يكن بوسعنا إيقاف المباراة فلم يتبق من وقت الجولة إلا ثوانٍ معدودة، كانت نقاط حياتي حينها أقل من خصمي. استغل خصمي هذه الفرصة وولى هاربا حتى نهاية الجولة ليربحها. كنت واثقاً من قدرتي على الفوز ولم أشأ أن أعترض على الذي جرى وأكملت المباراة. في النهاية تمكنت من تحقيق انتصاري الثاني بدون صعوبة.
فور انتهائي من المباراة هنأني رفيق الإحماء محمد على الفوز و حدثني عن هزيمته في المباراة الثانية وهو الآن في انتظار مباراته القادمة. تحدثنا عن البطولة وصارحني بانذهاله بمستوى اللاعبين المشاركين ” كنت أحسب بأنه كانت لدي فرصة في الفوز، لكن من الواضح أنه يجب علي أن أتدرب أكثر حتى أصل للمستوى المنشود”. وبينما كنا نتحدث دعاني عبد الله للمشاركة في لعبة طاولة، اعتذرت عن المشاركة بسبب ارتباطي بالبطولة.
كان عدد اللاعبين قد تقلص الآن ولم يدم انتظاري طويلا قبل حلول وقت مباراتي. دخلت المباراة ضد (هيهاتشي) وتمكن خصمي من الفوز في المباراة الأولى 1-3، دخلت المباراة الثانية وكلي عزيمة في الفوز، استطعت أن أجد نمطاً في لعبه، افتتاحية بركلة سفلية لإسقاطي متبوعة بكمبو، إنه يحب أن يبتدأ بهذه الركلة لتقليص المسافة بيننا. تمكنت من استغلال هذه النقطة واستلبت منه جولتين. النتيجة الآن 2-2، يتحتم علي الفوز بهذه الجولة إذا ما أردت أن أدفع المباراة للمباراة الفاصلة، كانت الجولة حامية وتخللها أخطاء من الطرفين، ابتعدت عن خصمي وأتى مسرعاً، علمت أن لحظتي قد حانت لصد ركلته السفلية والشروع بهجوم مضاد لإنهاء المباراة، ها هو يتقدم… النمط ذاته … التجهيز للركلة … انحنيت لصد ركلته في اللحظة الأخيرة …. الركلة ….. الركلة كانت للأعلى، الركلة التي أخرجتني من البطولة.
خصمي كان ذكياً أيضاً، طوال المباراة كان يوجه الركلة للأسفل ليطبع هذه الفكرة في ذهني، لكن في اللحظة الحاسمة وعندما وجد بأنه قد ولد هذا الانطباع لدي، وجه الركلة للأعلى.
هنأت خصمي وتمنيت له حظاً موفقاً، على الرغم من خروجي من البطولة إلا أنني كنت راضياً عن أدائي في هذه المباراة. لا أعلم إن كانت ستتاح لي فرصة للعب مرة أخرى مع Get_Lostt لكنني أتمنى ذلك فعلاً.
كنت أتمنى لوكان بمقدوري الجلوس وانتظار نهاية البطولة، لكنه كان يتوجب علي أن أذهب لمكان آخر، بحثت عن محمد لأسأله عن وضعه فرأيته منهمكا في لعبة الطاولة برفقة مجموعة من الشباب من ضمنهم عبد الله، علمت حينها بأنه أيضاً قد خرج من البطولة لكن الخروج من البطولة لا يعني توقف اللعب …. “GAME IS NOT OVER”