لا شك في أن فضاء تكنولوجيا المعلومات هو عالم لا متناهٍ من الفكر والإبداع الذي يرتقي بالبشرية كل ساعةٍ إلى مستويات من العلم والمعرفة والحضارة لم تصل إليها من قبل، وقد اعتبرت الخدمة السحابية، أو ما تدعى Cloud Computing إحدى آخر تلك الاختراعات التي سطعت في فضاء تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. في هذا المقال سنسبر غور هذه التقنية الرائعة وسنتعرف على تاريخها وماهيتها وخصائصها وماذا قدَّمت لمستخدمي شبكة الإنترنت، وأخيراً أثرها على عالم ألعاب الفيديو.
ما هي الخدمة السحابية؟
بإمكاننا أن نعرِّف الخدمة السحابية على أنَّها تقنية موجودة على شبكة الإنترنت تسمح للمستخدم بمشاركة وإدارة والتَّحكُّم بالموارد الحاسوبية (كالملفات والخدمات والتَّطبيقات وغيرها) الَّتي كانت قد حمِّلت مسبقاً على مخدِّم Server خاص من أي مكان كان بواسطة جهاز متصل بشبكة الإنترنت، كالحواسيب الشخصية والأجهزة اللَّوحية والهواتف الذَّكية…الخ.
تعتمد الخدمة السَّحابية بشكل أساسي على مخدِّم موجود على شبكة الإنترنت يقوم بتخزين الموارد الحاسوبيَّة المذكورة سابقاً بحيث يسمح لاحقاً للمستخدمين والشَّركات والمخدِّمات الأخرى بالوصول إلى هذه الموارد والتَّحكٌّم بها وإخضاعها إلى عدَّة أوامر ومهمَّات (كالتَّشغيل والمزامنة والقراءة والتَّعديل…). وقد سمِّيت هذه الخدمة بـ “السَّحابية” لأنَّ الموارد الموجودة على المخدِّم المذكور تكون مغطَّاة بما يشبه السَّحابة الَّتي تمنع المستخدمين من رؤية هذه الموارد أو الوصول إليها حتَّى يقوم المستخدم بتسجيل الدُّخول إلى ذلك المخدِّم بواسطة حساب خاص يمنحه له هذا المخدِّم.
تاريخ ظهور الخدمة السَّحابية ومراحل تطوُّرها:
تعود فكرة الخدمة السَّحابية إلى الخمسينات من القرن الماضي؛ أي أن فكرتها ليست حديثة كما نظن، بدأت هذه الفكرة باختراع الحواسيب العملاقة، أو ما يسمى Mainframe Computers الَّتي منحت عدة مستخدمين في شركة أو منظَّمة إمكانيَّة الوصول إلى الموارد الحاسوبية لتلك الشركة أو المنظَّمة من ملفات وتطبيقات وخدمات أخرى من خلال مخدِّم واحد لديه إمكانية تخزين هائلة للبيانات وقدرة كبيرة جدَّاً على معالجة تلك البيانات، وبعد عقدين من الزَّمن تطوَّرت هذه الفكرة حتَّى وصلت إلى ابتكار ما يسمى بـ “الأجهزة الافتراضيَّة” أو Virtual Machines ويرمز لها اختصاراً بـ VM، وتعدُّ هذه التقنيَّة حجر الأساس للخدمة الحاسوبيَّة، حيث يقوم مبدؤها على وجود برنامج للأجهزة الافتراضية Virtual Machine Software يسمح بتنصيب وتشغيل أكثر من نظام تشغيل على جهاز كمبيوتر واحد، كـ “ويندوز” و “لينكس” على سبيل المثال، يكون أحدهما المضيف وهو نظام التشغيل الرَّئيسي الموجود بشكل كامل على القرص الصَّلب، والآخر افتراضي يتمُّ تخزينه وتشغيله من خلال البرنامج آنف الذّكر دون الحاجة إلى تنصيبه على القرص الصَّلب، وعند تشغيله يقوم باستهلاك موارد الكمبيوتر من معالجة وذاكرة عشوائيَّة تماماً كنظام التَّشغيل الأساسي (المضيف).
وفي تسعينات القرن الماضي حدثت نقلةٌ نوعيَّةٌ في تطوُّر الخدمة السَّحابية عندما بدأت شركات الاتِّصالات بتزويد عملائها بوسائل اتِّصال شخصيَّة افتراضيَّة Virtual Private Network Connections، حيث تلعب شركة الاتِّصالات دور المخدِّم لشبكة من عدَّة عملاء وتمنحهم إمكانيَّة الوصول إلى موارد معينة من ملفات وتطبيقات وخدمات وغيرها، تماماً كما في نموذج الحواسيب العملاقة Mainframes ولكن دون الحاجة إلى وجود Mainframe في الأساس. وقد أسهمت هذه التقنية في تخليص الشَّركات والمنظمات من أعباء الحواسيب العملاقة من حيث التَّكلفة والبناء والحجم… هذا ما قادنا إلى الوصول إلى الخدمة السَّحابية في شكلها الحالي. تلك كانت أبرز مراحل تطوُّر الخدمة السَّحابية منذ فكرتها الأولى وحتَّى يومنا الحاضر.
ما هي ميزات الخدمة السَّحابية وماذا قدَّمت لمستخدميها؟
للخدمة السحابية ميزات عديدة أبرزها:
- حفظ ملفاتنا الشخصية الهامة في مكان تخزين آمن عوضاً عن القرص الصلب أو وحدات التخزين الخارجية.
- مزامنة هذه الملفات ومشاركتها بحيث يمكننا فتح تلك الملفات والتعديل عليها من أي جهاز كان وفي أي مكان، وليس بالضرورة نفس الجهاز الذي قمنا من خلاله برفع هذه الملفات على المخدِّم.
- تشغيل ملفاتنا وإخضاعها إلى أوامر معينة من خلال برامج خدمية تكون موجودة مسبقاً على نفس المخدَّم. فعلى سبيل المثال إذا قمنا برفع ملف مستند نصي ذي اللاحقة (.doc) إلى خدمة One Drive التي تملكها شركة Microsoft، فبإمكاننا تشغيل هذا الملف والتعديل عليه من خلال برنامج Microsoft Word Online الموجود مسبقاً على المخدم الخاص لـمايكروسوفت.
- مشاركة الملفات ذات الأحجام الكبيرة بسهولة، إذ أننا لا نستطيع مشاركة الملفات ذوات الأحجام الكبيرة بواسطة البريد الإلكتروني. فأصبح بإمكاننا الآن باستخدام الخدمة السحابية أن نقوم برفع الملفات ذوات الأحجام الكبيرة على المخدَّم ومن ثم إرسالها إلى من نشاء عن طريق البريد الإلكتروني.
- عمل نسخة احتياطية عن ملفاتنا الهامة نحفظ بها تلك الملفات من العطب أو الضياع أو السرقة، ونتجنب فقدانها في حال حدوث عطل في حواسيبنا الشخصية أو أقراص التخزين خاصتنا.
وبهذه الميزات الرائعة تكون الخدمة السَّحابية قد قدَّمت الكثير للمستخدمين بما يتعلق باستخدام الملفات والتطبيقات من سرعة وسهولة ومستوى عالٍ من الأمان والخصوصية.
كيف نستخدم الخدمة السَّحابية وماذا نحتاج للاستفادة من هذه التقنيّة الرَّائعة؟
إنَّ جل ما نحتاجه من أجل استخدام الخدمة السَّحابية هو وجود اتّصال إنترنت سريع كـ (ADSL, 3G, 4G) ومستعرض ويب مثل Microsoft Internet Explorer أو Google Chrome، أو تطبيق خاص من إحدى الشركات التي تقدِّم الخدمة السَّحابية مثل OneDrive أو Dropbox. بالإضافة إلى حساب إلكتروني لدى تلك الشركة.
أهم الشركات والمواقع الإلكترونية الَّتي تقدم للمستخدمين خدمة التخزين السحابي :
- خدمة Google Drive من شركة Google: بدأت هذه الخدمة في عام 2012 وتعد حاليَّاً أشهر خدمة سحابية على شبكة الإنترنت. وتتميز بالسهولة والسلاسة في الاستخدام. وتمنح هذه الخدمة مستخدميها سعة تخزين حتى 15 جيجابايت، ويحتاج المستخدم إلى حساب إلكتروني على شركة Google من أجل استخدام هذه الخدمة.
- خدمة OneDrive من شركة Microsoft: تم إطلاقها في عام 2007. تمنح هذه الخدمة الرائعة مستخدميها سهولة كبيرة في الاستخدام ومستوى عالٍ جداً من الخصوصية والأمان، وكما Google Drive توفر OneDrive للمستخدمين سعة تخزين تصل إلى 15 جيجابايت.
- خدمة Dropbox: تأسست هذه الخدمة في عام 2007 وتعتبر من أشهر الخدمات السحابية وأسهلها استخداماً وأكثرها أماناً. ولكن تشوبها بعض النقاط السلبية، فعلى سبيل المثال تقدم هذه الخدمة سعة تخزين 2 جيجابايت مجانية فقط؛ بينما يتوجب علينا دفع المال مقابل سعات تخزين أعلى تصل حتى 16جيجابايت، بالإضافة إلى عدم إمكانيتنا رفع ملفات ذوات أحجام أكبر من 300 ميجابايت عن طريق مستعرض الويب، بينما نستطيع رفع ملفات بأحجام غير محدودة عن طريق التطبيق الخاص بالخدمة Dropbox.
- خدمة Just Cloud من موقع com: وتعتبر من أشهر وأقوى الخدمات السحابية خاصة على مستوى الشركات والمؤسسات نظراً لما توفره من مستوى عالٍ جداً من الأمان وسهولة مشاركة الملفات.
- خدمة iCloud من Apple: أطلقت Apple هذه الخدمة في عام 2011 وجعلتها حصرية فقط لمستخدمي أجهزة Apple، وتمنح iCloud لمستخدميها 5 جيجابايت كسعة تخزين مجانية، وبإمكان المستخدمين شراء سعات تخزين أعلى تصل حتى 1 تيرابايت، ومنذ 2011 وحتى يومنا هذه يستخدم iCloud حوالي 320 مليون مستخدم حول العالم.
الخدمة السحابية وألعاب الفيديو :
لم تقتصر الخدمة السحابية على حفظ الملفات ومشاركتها على شبكة الويب، بل توسعت لتدخل عالم الألعاب من أوسع الأبواب عن طريق ما يسمى “اللعب السحابي” أو Cloud Gaming
اللعب السحابي هي تقنية جديدة تسمح للاعبين بلعب ألعاب الفيديو على شبكة الإنترنت. ومن أجل تحقيق ذلك هناك تقنيتان مستخدمتان في اللعب السحابي:
1- تقنية Video Streaming: في هذه التقنية يتم بث صور اللعبة من المخدِّم إلى الجهاز المستخدم في اللعب (كالهاتف الذكي أو الحاسب اللوحي) عن طريق الإنترنت اللاسلكي WiFi. وباستخدام هذه التقنية لن يضطر اللاعب إلى تنزيل وتنصيب اللعبة على جهازه الخاص، حيث ستكون اللعبة مخزنة مسبقاً على المخدِّم، ويقوم هذه المخدم أيضاً بمعالجة اللعبة بدون الحاجة إلى موارد جهاز المستخدم من وحدة معالجة وذاكرة عشوائية وغيرها. هذه ما يسمح للاعبين بلعب الألعاب الضخمة التي تتطلب أجهزة ذات مواصفات عالية من أي جهاز كان.
من أهم وأشهر المخدِّمات التي تتيح استخدام هذه التقنية هي Ubitus و PlayKey.
2- تقنية File Streaming: كما نستوحي من الاسم، فإن هذه التقنية تعتمد بشكل أساسي على تحميل ملفات اللعبة من المخدِّم إلى جهاز اللَّاعب خلال اللعب، حيث يتم تحميل جزء صغير من اللعبة يسمح للاعب بالبدء باللعبة ومن ثم يتم تحميل بقية ملفات اللعبة تدريجياً مع تقدم اللعبة، هذا ما يريح حزم الإنترنت إلى حد ما فتصبح اللعبة أسرع، ولكن هذه التقنية تتطلب جهازاً ذو مواصفات عالية من أجل تشغيل الألعاب وخاصة الألعاب الضخمة منها.
أبرز المخدِّمات التي تعتمد هذه التقنية هي Gaikai و NVIDIA GeForce Now و Game Now و PlayGiga.
يعود تاريخ انطلاق فكرة اللعب السحابي إلى عام 2000، حيث نفِّذت الفكرة للمرة الأولى في معرض E3 عندما تم بث إحدى الألعاب عن طريق الـ WiFi إلى جهاز لعب محمول.
أصبح اللعب السحابي أكثر أنماط اللعب شيوعاً على مستوى العالم من خلال الألعاب التي يمكننا أن نلعبها عن طريق متصفح الويب على موقع Facebook أو بواسطة تطبيقات على الهواتف الذكية.
عمالقة شركات تطوير الألعاب والخدمة السحابية:
لطالما كانت شركات الألعاب العملاقة السباقة إلى تبني التقنيات الحديثة والخلاقة من أجل تطوير ألعابها والارتقاء بعالم ألعاب الفيديو نحو الأفضل في سبيل منح المستخدمين واللاعبين تجارب فريدة في اللعب، وسوف نخص بالذكر في هذا الموضوع ثلاثة من أضخم صناع ألعاب فيديو على مستوى العالم، ألا وهم مايكروسوفت وسوني و سكوير اينكس.
عندما أعلنت مايكروسوفت عن جهازها الجديد إكسبوكس ون صرحت بأنها قد تتبنى تقنية الخدمة السحابية من أجل تعزيز قدرة أجهزتها وتحسين معالجتها للألعاب عن طريق تقديم الدعم لهذه الأجهزة من قبل مخدِّم الألعاب الخاص بمايكروسوفت، بالفعل قد تبنت هذه الفكرة في لعبتها القادمة Crackdown 3، حيث ستكون الخدمة السحابية حاضرة فيها من أجل تعزيز موضوع “التدمير”، وهو الموضوع الأساسي للعبة، فهذه التقنية المميزة ستتضمن مؤثرات دمار وانفجارات كبيرة في طور الأونلاين للعبة، حيث لن تعتمد على قوة جهاز الإكسبوكس ون فقط بل ستستخدم أجهزة إكسبوكس ون وهمية، وسيتم تشكيلها عبر سيرفرات خاصة، وبهذه الطريقة تستطيع التقنية أن تشكل انفجار في اللعبة بطريقة دقيقة جداً تظهر انفجار بناء مثلاً حتى أخر حجر فيه بأدق التفاصيل.
وقد صرح مسؤولو مايكروسوفت الحصول على دمار هائل وشامل في اللعبة هو أمر يتطلب قدرة معالجة حاسوبية هائلة قد لا تتوفر في أجهزة إكسبوكس ون، هذا ما دفع مايكروسوفت إلى اعتماد الخدمة السحابية في Crackdown 3. وقد قدمت لمايكروسوفت هذه الخدمة شركة Cloudgine المختصة في صناعة وتطوير الخدمة السحابية.
أما بالنسبة إلى عملاقة صناعة الألعاب الأخرى، ألا وهي شركة سوني، فقد كان لها نصيب أيضاً من روعة التقنية السحابية بإعلانها عن خدمتها السحابية الجديدة Playstation Now.
Playstation Now هي خدمة سحابية مدفوعة أعلنت عنها سوني في عام 2014 خلال فعاليات معرض CES. وتدعم هذه الخدمة الألعاب المخصصة لجهاز بلايستيشن 3 فقط، مع إمكانية دعم ألعاب جهاز بلايستيشن 4 في المستقبل، وهناك طريقتان للمستخدم من أجل الاستفادة من هذه الخدمة، إما عن طريق الاشتراك في هذه الخدمة Subscription الذي يتيح للمستخدم دخولاً غير محدود إلى الألعاب التي تم تحديدها خلال الاشتراك، أو عن طريق استئجار الألعاب بشكل منفرد لمدة 4 ساعات أو 7 أيام أو 30 يوماً أو 90 يوماً.
سكوير اينكس هي إحدى أكبر شركات صناعة وتطوير الألعاب في العالم. وبكونها تحتل هذه المكانة الكبيرة في عالم تكنولوجيا المعلومات فلا بد من أن تكون لها حصة من التقنية السحابية. وفعلاً تحقق هذا الأمر لـسكوير اينكس عن مشروعها الجديد Shirna.
يقوم مشروع Shirna بشكل أساسي على فكرة أن قدرة الشبكة تعتمد على الدمج وليس على قدرة وحدة المعالجة المركزية. ويوفر Shrina سرعة وأداء عاليين للأجهزة وخاصة في حالة الألعاب الضخمة التي تتطلب موارد معالجة كبيرة. بالإضافة إلى تسهيل عملية التزامن والمشاركة بين اللاعبين وهذا كله يحدث في المخدِّمات الخاصة بـ Shirna، وهذا ما يدعم بشكل كبير طور اللعب الجماعي مما يزيد من استمتاع اللاعبين أكثر باللعب. ومن المنتظر أن تعتمد شركات صناعة الألعاب على خدمة Shirna بشكل كبير في ألعابها المستقبلية نظراً لما ستقدمه هذه الخدمة الواعدة من دعم للألعاب وخاصة الضخمة منها.
خاتمة :
وهكذا رأينا كيف أن ابتكار فكرة الخدمة السحابية كان من أهم وأبرز الابتكارات في تاريخ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نظراً لما قدمته وما زالت تقدمه هذه الخدمة لجميع أنواع المستخدمين من رجال الأعمال وحتى المراهقين الذين يهوون ألعاب الفيديو، ومن المنتظر أن يتم تطوير هذا الابتكار الرائع ليغدو أكثر سهولة وسرعة وسلاسة ومتعة في سبيل خدمة البشرية.
هل ترى بأن الخدمة السحابية واعدة في دعم ألعاب الفيديو ؟