لطالما ظننت أن ما يميز ألعاب الفيديو عن الأفلام هو تفاعل اللاعب مع القصة وتغيير مجريات الأحداث قليلاً أو جذرياً إن دعت الضرورة . لكن في الجيل الرابع من الأجهزة المنزلية اختلفت وجهة نظر الشركات المنتجة، فـ أصبح دافعها ليسَ صُنع تحفة فنية أو رواية تنافس شكسبير، بل تحقيق رِبح مهما كان الثمن حتى لو عنى ذلك استحلاب السلاسل.
عزيزي القارئ ، سنرفع جودة الصورة لكي تصبح واضحة وحيادية عن حقيقة وتوجه الصناعة كما لخصنا في مقالتنا ” من باك مان إلى حيرة الإختيار ” تاريخ الصناعة منذ أن كانت ألعاب أركيد إلى ما أصبحت عليها الآن.
روح المنافسة
في الجيل الأول من ألعاب الفيديو ( السبعينيات الميلادية ) كانت ألعاب الأركيد تقتصر على طرف يتحدى الذكاء الاصطناعي ( الحاسب الآلي ) أو ينافس عنصر بشرّي مجاور له. لا قصة ولا لعب عبر الشبكة الرقمية تخيّل المتعة المقتصرة عليه تبقى محدودة التصور وسط ملذات الاختيار في عصرنا الحالي.
بتطور التقنية الحاسوبية و وجود تطعيمات الألوان الزاهية في أجهزة الجيل الثاني، توجه مطوروا الألعاب لإضافة عناصر تُحببّ الجمهور في ألعابهم وتزيد من شعبيتها السوقية، فـ كان لهم أن يضيفوا منافسين أكثر في الجولة الواحدة ( 2 – 4 لاعبين ). زيادة اللاعبين يعني زيادة المرح ( يا للعبقرية ).
طور القصة
تلكَ الرواية التي قرأتها أو شاهدتَ فيلماً عنها هيجت عاطفتك الآخاذة، هيهاك لعبة باسمها تمكنُّك من التحكم بمجريات الأحداث، ليس ذلك فقط ، بل تقتل من لا تحبه من الشخصيات ! لنعترف أن معظم الألعاب قصصها خطيّة فـ لم يكن هناك ما يمكن إضافته لجعل الأمر أكثر حماسية كـ عالم مفتوح أو مهمات جانبية، فكل تلك الأمور لم تأتي إلا لاحقاً .
ألعاب كـ Metal Gear Solid و Tom Clancy أضافت عنصر التخفي واندماجية اللعب كـ جاسوس في خضم مهمات عسكرية لا يقدر عليها إلا 007 إلى قصتها. The Legend of Zelda بعالمها الواسع ( وقتها ) وإمكانية تطوير الشخصية أثبتت نفسها كـ لعبة طور قصصي ذات عالم واسع. Crash Bandicoot و Super Mario كانتاَ لعبتَيّ قصة خطيّة، لا مهمات جانبية أو تطوير شخصية لأن مصيُرك الوصول للزعيم الأخير ودحره. لا ننسى ألعاب مثل Final Fantasy و Breath of Fire تقمصتَ تصنيف RPG والعالم المفتوح لهما الذي ستجده في معظم أجزاء السلسلة. جميعها تبنّت القصص كـ تصنيف لها يميزها عن غيرها.
لربما كان أول من يدمج الطور التعاوني في القصة هي لعبة Dynasty Warriors حيث يستطيع اللاعب إنهاء القصة لوحده أو اقتسام الشاشة مع لاعب آخر بجانبه.
التحفة الفنية
بقدوم الجيل الثالث من الأجهزة المنزلية واللعب التعاوني والتنافسي عبر الشبكة، وجَب على المطورين التأقلم مع الوضع الصعب مثل أن يُنّتُجوا لعبة تحتوي على قصة رائعة و طور تعاوني. ناهيك عن تكلفة إنتاج ألعاب بمستوى جرافيكس ومعدل إطارات عاليان، إضافة عنصريّ اللعب التعاوني عبر الشبكة وطور القصة، حيث تستغرق عملية مثل هذه سنوات من التطوير والكثير من الاستثمار المالي.
وسط معمعات القتال وطلقات الرصاص المتناثرة ودَويّ الانفجارات، تتخفى وسط الشُجيّرات ومراتٍ تحتمي بجدران منكشفة، يترادى إلى أُذنَّيك الموسيقى المهيجة للمشاعر واللقطات السينمائية المبهجة أو المحزنة في تسلسل القصص ربطتنا إرتباط وثيق بـ أجزاء السلسلة . ألعاب مثل God of War ،The Last of Us ،Uncharted ،Halo ،The Witcher ،BioShock ،Life is Strange أنتجت قِصص تُدرس بكونها حبكة درامية ذات حوارات عميقة ورنانة لن تتكرر، وإن كان بعضها زُيّنَ بطور اللعب عبر الشبكة كي لا ينسى الناس هذه التحفة ، فـ مِثل The Last of Us و Metal Gear Solid 4 كانتا تملِكان طور تعاوني أحزن على فقدانه.
لا أُنكر أن العالم العربي وقتها لم يعرف ( الأونلاين ) إلا في الجيل الثالث رغم وجوده بمحدودية في سالفه، لكن أجزم بأنهُ اُستمتعَ بكل ثانية من وقته في هذا الجيل، ليسَ اللعب والتلذذ بإنهاء قصة كانا الدافع للعب، بل تكوين الصداقات وخلق المنافسة عبر الشبكة. فـ ألعاب مثل Call of Duty ،Gears of War ،Battlefield ،Halo ،League of Legends كانوا ذو قاعدة جماهيرية ضخمة تُنَظمّ بطولات ومسابقات باسمها وتهدى جوائز للفائزين !
الطور التنافسي
لربما صحَّ قول ( طور الأونلاين ) لشيُّوعِه. ألعاب مثل Overwatch ،League of Legends، احترفت المجال بل قامرت على دخوله بوحدانية اللعب التعاوني دون طور القصة والذي كان إضافة لا تستثنى مهما كان. فـ مثل Overwatch قررت إضافة ما يُعرف بـ Microtransactions ( مشتريات داخل اللعبة ) والتي ساهمت برفع عائدات اللعبة رغم صدور اللعبة بـ سعر 59.99$ وقتها، ناهيك عن طور Ranked أو التصنيف الموسمّي الذي يُقيّم اللاعب على فوزه وخسارته للمباريات وتحسب له النقاط بناء على ذلك. أمر يحسب لصالح لعبة League of Legends الذي سمح للعبة بأن تكون مجانية وبالطبع بإضافة المشتريات داخل اللعبة ( Microtransactions ). مع ذلك فقد شيّدت أضخم قاعدة لاعبين على الشبكة على مَرّ التاريخ.
الباتل رويال
طور لا مفر من الحديث عنه حيث يعتبر صيحة لن تنتهي قريبا كما يبدو. من الطور المختلق بـ أيدي اللاعبين إلى طور تتبناه معظم الألعاب المحبذة للأونلاين. ببساطة، الطور عبارة عن مجموعة من اللاعبين يتنافسون ضد بعضهم على شُحّ الموارد والأسلحة بالإضافة إلى أن منطقة القتال تضيق حتى تُحصَر في دائرة الأمان، وإن كنت خارجها فأنت ميت لا محالة. منافسين كُثر دخلوا المجال منهم Fortnite ،Black Ops 4 ،PUBG ،Apex ولا ننسى أحد أقدم الألعاب التي لم تنتهي من التطوير DayZ. معظم الألعاب هذه اتبعت اُسلوب سالفاتها ألا وهي المشتريات داخل اللعبة من أزياء إلى ألوان خاصة للأسلحة والشخصيات بل و قد واجهوا نجاح واسع لدرجة تنافسهم على عدة منصات مثل Xbox One ،PS4 ،Nintendo Switch والحاسب الآلي بل حتى الهواتف الذكية لم تسلم منهم !
الباتل رويال انتشر بنجاح فـ أقيمت المسابقات والبطولات العالمية ورُصدت الجوائز له ولا ننسى الستريمرز المشهورين المساهمين في التسويق للألعاب . ومع حُب الجمهور وتعطُشه للتحديات المصاحبة له ، امتهنت أسماء كُبرى لهذا الطور لتنافس فيه وتشارك حصتها من الكعكة.
ماذا بعد؟
بعد استعراض تطور الأطوار ، استنتاج قد لَّمع ألا وهو أن الشركات تحاول جاهدة إبقاء مختلف فئات اللاعبين داخل حيز اللعبة بعرض أدوات وإضافات مختلفة وإصدار التحديثات باستمرار جاعلةً اللاعب يقضي وقت أكثر في اللعبة رغم انتهاء القصة. كل ذلك يصب في مصلحة الشركة. قد تبدوا مؤامرة عالمية لكنها ليست كذلك فهو التوجه الجديد لهم والمُكسب. توجد أطوار مختلفة مثل غُرف الواقع الافتراضي، طور Arena، وغيرهم ولكنهم ليسوا محبوبين بكثرة مثل ما ذكرناه آنفاً.
في الختام، توّجه الشركات واضح أنهُ يتجه لاستحلاب السلاسل وهو شيء مُضر لنا كـ جمهور وللمطورين المُحبين والفخورين بأعمالهم، فـ مهما كان توجه الشركات، محتمٌ عليها مسايرة الجمهور لما يحبه مِثل ما حصل مع إحياء الألعاب المحببة للجمهور.