نستكمل مقالتنا:
تطور الألعاب التفاعلية
في البداية، كانت الألعاب التي تم تطويرها لأجهزة الأركيد ووحدات التحكم المنزلية (الكونسول) تركز على البساطة والحركة، وذلك بسبب القيود التقنية التي كانت موجودة في ذلك الوقت، مثل محدودية الذاكرة والشاشات البدائية والمعالجات. هذه الألعاب، مثل Breakout وSpace Invaders، كانت تهدف إلى جذب اللاعبين لدفع العملات بسرعة في الأركيد، لكنها لم تقدم عمقًا استراتيجيًّا أو قصصيًّا.
ومع نهاية السبعينيات، بدأت بعض ألعاب الحاسوب تقدم إمكانيات تصميم مختلفة عما كان ممكنًا في الأركيد أو على أجهزة التحكم المنزلية (الكونسول). على سبيل المثال، ظهرت ألعاب نصية مثل Hunt the Wumpus، التي قدمت مفهوم “المساحة الافتراضية” حيث يستكشف اللاعبون العالم الافتراضي باستخدام أوامر نصية بسيطة.
أحد الألعاب الأساسية التي عرّفت هذا النوع من الألعاب التفاعلية هي Colossal Cave Adventure التي طوّرها Will Crowther في 1977. هذه الألعاب النصية كانت تُعْرَف عادةً باسم الألعاب التفاعلية النصية Interactive Fiction، وقدمت نوعًا جديدًا من السرد القصصي التفاعلي، حيث يتفاعل اللاعب مع وصف للغرف والشخصيات والعناصر، وتتطور القصة بناءً على اختيارات اللاعب.
في وقت لاحق، طوّر Don Woods نسخة من هذه اللعبة وأضاف إليها عناصر جديدة، مما زاد من شعبيتها وأدى إلى ظهور ألعاب مشابهة مثل Zork.
ألعاب الكمبيوتر الشخصي
بحلول أواخر السبعينيات، لم تعد الألعاب الإلكترونية مقتصرة على أجهزة الحواسيب الكبيرة في الجامعات، أو أجهزة الأركيد، أو وحدات التحكم المنزلية (الكونسول)، فقد ظهرت أجهزة الحواسيب الشخصية الجديدة التي كانت مزوَّدة بمعالجات دقيقة وأنظمة تشغيل قادرة على تشغيل البرمجيات المكتوبة بلغات مثل BASIC.
قدمت أجهزة مثل Apple II (1977) وIBM Personal Computer (1981) رسومات ملونة وقدرة على التخزين المرن، إلى جانب تنوع في أجهزة الإدخال. أيضًا قدمت أجهزة مثل Atari 800 (1979) وCommodore 64 (1982) مميزات مشابهة، مع احتفاظها بفتحات مخصصة للألعاب على غرار وحدات التحكم المنزلية (الكونسول).
استغل مصممو الألعاب المرونة الأكبر التي توفرها الحواسيب الشخصية لاستكشاف أنواع جديدة من الألعاب، وغالبًا ما استلهموا الأفكار من الألعاب الورقية المعقدة مثل Dungeons & Dragons. كانت الألعاب التفاعلية النصية (Interactive Fiction) ناجحة بشكل خاص على الحواسيب الشخصية. على سبيل المثال، طورت شركة Infocom سلسلة Zork الشهيرة، والتي كانت مستوحاة مباشرة من لعبة Adventure التي طورها طلاب ومعلمون في MIT.
بالإضافة إلى ذلك، امتدت قدرات المحاكاة وسرد القصص في ألعاب الكمبيوتر مع عناوين أخرى مثل سلسلة King’s Quest من Sierra On-Line، وألعاب المحاكاة العسكرية وتقمص الأدوار التي نشرتها Strategic Simulations Incorporated، وسلسلة Ultima التي طورها Richard Garriott.
أضافت الألعاب الشبكية بُعدًا اجتماعيًّا مهمًّا، فقد كانت لعبة Empire -التي تم تطويرها ضمن مشروع PLATO في جامعة Illinois في السبعينيات-، ولعبة MUD (Multi User Dungeon) -التي طُورت في جامعة Essex-، تجارب تفاعلية جمعت بين السرد القصصي التفاعلي، وتقمص الأدوار، والبرمجة. أسهمت هذه الألعاب في ولادة العديد من الألعاب متعددة اللاعبين الشهيرة التي تجمع بين هذه العناصر.
عودة أجهزة ألعاب الفيديو المنزلية (الكونسول)
عادت أجهزة التحكم المنزلية (الكونسول) بعد انهيار صناعة الألعاب المنزلية (الكونسول) في أوائل الثمانينيات. قدمت شركتا Nintendo وSega اليابانيتان جيلًا جديدًا من أجهزة الألعاب المنزلية (الكونسول)، مثل Nintendo Entertainment System (NES) عام 1985 وSega Genesis عام 1989، والتي كانت تتميز برسومات تساوي أو تفوق قدرات أجهزة الكمبيوتر الشخصي في ذلك الوقت.
قدمت Nintendo خراطيش تخزين مزودة ببطاريات تسمح للاعبين بحفظ تقدمهم في الألعاب والعودة لاستكمالها لاحقًا، مما أتاح تجارب أعمق في الألعاب مثل Super Mario Bros وThe Legend of Zelda وFinal Fantasy. ساعد هذا التطور على إنشاء عوالم قصصية معقدة وجعل الألعاب تقترب في بعض الأحيان من وسائل السرد القصصي مثل السينما، مما أدى إلى بناء سلاسل ألعاب ناجحة وقوية.
في التسعينيات، ظهرت أجهزة جديدة مثل PlayStation 2 وGameCube وXbox التي ركزت على التكنولوجيا المتقدمة مثل الرسومات ثلاثية الأبعاد وقدرات الشبكات.
في نفس الفترة، توسعت الألعاب المحمولة مع ظهور Game Boy في عام 1989 الذي حقق نجاحًا كبيرًا. كما أن تطور الهواتف المحمولة في أوائل القرن الحادي والعشرين، مثل إطلاق iPhone في 2007 وApp Store في 2008، ساهم في توفير منصة جديدة للألعاب المحمولة.
الألعاب الشبكية والعوالم الافتراضية
تطورت الألعاب الشبكية والعوالم الافتراضية خلال التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين. في تلك الفترة، استفاد مطورو الألعاب من التقدم في الرسومات ثلاثية الأبعاد، والمعالجات السريعة، والأجهزة المحمولة والشبكات اللاسلكية. ظهرت أنواع جديدة من الألعاب التي تستهدف أجهزة التحكم المنزلية (الكونسول) وأجهزة الكمبيوتر والشبكات، مثل ألعاب التصويب من منظور الشخص الأول (first-person shooters) وألعاب الرياضة والألعاب الجماعية عبر الإنترنت.
كانت ألعاب التصويب من منظور الشخص الأول مثل Wolfenstein 3D وDoom وQuake من أوائل الأمثلة على هذا النوع، حيث يتم عرض البيئة من منظور اللاعب. في الوقت نفسه، ظهرت ألعاب الرياضة مثل سلسلة Madden NFL التي استخدمت تقنيات متقدمة مثل التقاط الحركة والذكاء الاصطناعي لتقديم تجربة ألعاب واقعية.
أما الألعاب الجماعية على الإنترنت (MMOGs)، مثل Ultima Online وEverQuest وWorld of Warcraft، فقد سمحت لآلاف اللاعبين بإنشاء شخصيات افتراضية (avatars) واستكشاف عوالم افتراضية دائمة.
ظهرت أيضًا مجتمعات حول هذه الألعاب، حيث اجتمع اللاعبون في فرق متعددة اللاعبين، وشاركوا التعديلات التي قاموا بها على الألعاب، وحتى الأفلام التي صنعوها من داخل الألعاب (machinima) *. مع مرور الوقت، أصبحت الألعاب الإلكترونية جزءًا من الثقافة والتجارة العالمية، وازداد تأثيرها مع ظهور الألعاب التي تتكامل مع الشبكات الاجتماعية مثل Mafia Wars وFarmville.
أخيرًا، شهدت مبيعات الألعاب نموًا كبيرًا، حيث تجاوزت المبيعات العالمية للألعاب الإلكترونية (بما في ذلك الأجهزة والإكسسوارات) 30 مليار دولار في عام 2002، وتضاعفت هذه القيمة في أقل من عقد.
* Machinima هي نوع من الأفلام أو الرسوم المتحركة التي يتم إنتاجها باستخدام محركات الألعاب ثلاثية الأبعاد (مثل محركات ألعاب الفيديو) كأداة لصنع مقاطع فيديو أو أفلام. بدلًا من بناء الشخصيات والمشاهد من الصفر في برامج الرسوم المتحركة التقليدية، يقوم صانعو الـMachinima بتسجيل مشاهد داخل اللعبة نفسها وتحريرها لتظهر كفيلم أو مقطع فيديو.
في هذا السياق، يستخدم اللاعبون أو المبدعون أدوات التحكم بالشخصيات والكاميرات الموجودة داخل اللعبة لتصوير مشاهد، ثم يقومون بتعديل هذه المشاهد وإضافة الحوار أو المؤثرات البصرية لإنشاء قصة أو فيلم.