في العام الذي سنشهد فيه احتفال منظمة ESA بالذكرى السنوية الخامسة والعشرين لحدث E3 نسمع من هنا وهناك أقاويل تتحدث عن تراجع شعبية الحدث وسط أنباء عن انسحاب بعض الشركات وتقليل البعض الآخر لمستوى مشاركته مقارنة بسنوات ماضية.
لكن يبقى الخبر الصادم هو قرار سوني الغياب للسنة الثانية على التوالي عن المعرض السنوي الهام مقابل اللجوء لحضور أحداث أخرى، هذا القرار لاقى ردود فعل مختلفة بين مؤيد ومعارض لذا اسمحوا لنا أن نناقش هذا الموضوع ونبحث عن الدوافع لهذا الغياب وخلفياته بمقالتنا هذه.
قبل الخوض بنقاش الأسباب دعونا نتحدث بنقاط عن تاريخ سوني بالمعرض وأبرز اللحظات التي أثارت حماسنا وأخرى تعتبر محبطة ومخيبة للآمال:
مفاجآت ولحظات تحبس الأنفاس
مسيرة سوني انطلقت بمعرض E3 1995 حيث أعلنت عن جهازها الأول بلايستيشن بسعر 299$ وبدعم كافة شركات الطرف الثالث ليوجه أول ضربة قاصمة بوجه سيجا آنذاك التي كانت قد كشفت عن جهازها Sega Saturn بسعر 400 دولار وإطلاقه دون حشد دعم الطرف الثالث.
من ثم في E3 1996 قامت سوني بتخفيض سعره إلى 199$ بعدها توالى إعلان الشركة عن الألعاب وصولا لمعرض E3 1999 حيث تم الكشف عن جهاز بلايستيشن 2 والذي مثل نقطة تحول جوهرية مكنت الشركة من السيطرة على السوق.
وعلى مر السنوات تخللت مؤتمرات سوني في معارض E3 العديد من المفاجآت واللحظات التي كانت كفيلة بجعلنا نصفق بحرارة مثل صعود Gabe Newell على مسرح مؤتمر Sony في E3 2010 ليقدم رسالة اعتذار مبطن للجمهور بسبب تعليقاته السابقة التي انتقد فيها الأجهزة المنزلية مع كشفه عن Portal 2 لجهاز بلايستيشن 3.
لايمكن لأحد أن ينسى ذلك المؤتمر الذي تم فيه الحديث عن بلايستيشن 4 والإعلان عن سعره حيث استغلت الشركة أخطاء منافستها مايكروسوفت وقلبتها إلى مزايا لجهازها حيث تحدثت عن أن جهازها لا يحتاج لاتصال دائم بالانترنت ويدعم الألعاب المستعملة وفوق هذا سيتاح بسعر أقل بـ100 دولار من اكسبوكس ون وهذا كان كفيل بجعل صياح الجمهور يتصاعد بشكل جنوني.
حتى لحظات الكشف عن الألعاب كانت حماسية بشكل كبير فالكل يتذكر كيف جن جنون اللاعبين عندما كشفت عن ريميك فاينل فانتسي 7 في E3 2015 والتي كان ينتظرها الكثير من اللاعبين منذ سنين عدة، أيضاً هل تستطيع ان تنسى تلك اللحظة التي خرج بها كريتوس ليزين شاشة المؤتمر في معرض E3 2016 ويعلن عن عودة واحدة من أفضل حصريات بلايستيشن.
صدمات وخيبات أمل للجمهور
رغم هذه المفاجآت حملت معارض أي ثري لسوني وجمهورها بعض اللحظات الصادمة لعل أبرزها كان الكشف عن سعر بلايستيشن 3 المفاجئ في E3 2006 والذي اعتبره الكثيرين بأنه باهظ جداً وهو 500 دولار لنسخة العشرين جيجابايت و600 دولار لنسخة الستين جيجابايت وحينها لم يستطع أحد أن يخفي تعجبه لهذا السعر المرتفع الذي اعتبر أحد أسباب تراجع الجهاز وتفوق المنافس اكسبوكس 360.
الخيبات تتالت مع فقدان سوني لحصريات رئيسية كانت تعتمد عليها بشكل كبير ولجوء المطورين لدعم جهاز مايكروسوفت، فنذكر مثلاً في E3 2008 خسارة سوني لحصرية فاينل فانتسي مع إعلان سكوير انكس عن صدور أجزاء السلسلة الرئيسية بداية من الجزء 13 على جهاز مايكروسوفت مما استفز جمهور بلايستيشن.
كذلك لا يمكن أن يغيب عنا تلك المفاجأة التي كانت قد حضرتها مايكروسوفت لسوني في E3 2006 عندما صعد بيتر مور على خشبة مسرح اكسبوكس ليعلن عن قدوم GTA IV لجهاز Xbox 360 بنفس يوم طرحها للـ PS3 وبمحتوى حصري.
إذاً لما الانسحاب من E3 2020؟
كل تلك اللحظات الجميلة أو الصادمة سنفتقد تكرارها بمؤتمرات سوني في E3 بعد قرارها الأخير، على مر السنوات تعرض E3 لنكسات فمعرض E3 2007 تضمّن 33 لعبة فقط ومعرض E3 2008 استقبل 5000 شخص فقط بينما في أول معرض E3 1995 كان عدد الزوّار أكثر من 40,000. لكن غياب سوني قد يكون مؤثر بشكل أكبر مما نتصوره وهذا يدفعنا لمحاولة معرفة أسباب هذا القرار.
فربما نتفهم قرارها العام الماضي بعدم المشاركة بأنها لم تكن تمتلك أي ألعاب جديدة لتستعرضها أمام اللاعبين وهي لا ترغب بتكرار نفس الإعلانات لاسيما مع انتقاد البعض لمؤتمرها بـE3 2018 بأنه كان مخيب كونه لم يحوي مفاجآت، كذلك سوني لم تكن مستعدة لتقل شيئاً عن بلايستيشن 5 في 2019 وهذه العوامل بررت غيابها العام الماضي.
لكن هذا العام هو عام بلايستيشن 5 ويجب أن يكون هنالك إعلانات تخفيها الشركة للاعبين من عناوين إطلاق للجهاز الجديد أو الكشف عن سعره الذي ننتظره جميعاً وهو أمر تخفيه سوني عادة لمؤتمراتها في E3، إذا لما قررت سوني التغيب مجدداً؟ هنالك بعض النقاط نرغب بطرحها ونرى بأنها كانت عامل مؤثر بهذا القرار:
أولا- التطور التقني وانتشار البث وخدماته جعل العديد من الشركات تعتمد على بث الأحداث الخاصة بها للجمهور وهي تدرك بان المهتم بما ستقوله سيتابع ما يتم بثه أينما كان، هذا الأمر اعتمدت عليه نينتندو منذ زمن ويبدو بان سوني تريد اللحاق بها عبر State of Play. فتجربة نينتندو أثبتت بأنها ليست بحاجة لمسارح مجهزة بأحدث تقنيات الإضاءة من أجل إعلاناتها لجذب اهتمام الجماهير، وحلقة نينتندو دايركت في E3 2019 تغلبت على باقي المؤتمرات لناحية اهتمام اللاعبين وإثارة حماسهم.
ثانياً- هذا التطور جعل حتى الإعلاميين يفضلون ربما بأيام المؤتمرات البقاء في الفنادق والاعتماد على الانترنت السريع المتوفر لديهم لمشاهدة المؤتمر وتغطيته ضمن أجواء أكثر هدوء تتيح لهم التنسيق بشكل فعال أكثر مع باقي زملائهم، لاسيما بعد فتح المعرض للجمهور وعدم اختصاره على الإعلاميين مما قد يسبب ضغط على أولئك.
ثالثاً- قد يكون هذا القرار نابع من ثقة سوني الكبيرة بنفسها وبأنها تستطيع عبر أي حدث أن تستقطب اهتمام الإعلاميين بشكل كبير وهائل ويكفي أن تقول مثلاً بأنها ستعلن عن تفاصيل حول جهازها في حلقة أو حدث بتاريخ محدد حتى يتسمر الجميع أمام الشاشات لرؤيته فلماذا تنفق أموال طائلة على المشاركة بمعرض E3؟ هنا يكفي أن نذكر بأن كشف سوني عن شعار PS5 فقط جعلها تكسر أرقام قياسية عبر انستغرام فكيف لو كان الحديث عن تفاصيل الجهاز؟ وهذا يذكرني باستراتيجية روكستار التي تغيب عن معارض E3 وتلجأ فقط للإعلان عن ألعابها عبر فيديوهات قصيرة.
رابعاً- نقطة أخرى قد تكون السبب بالقرار هو أن سوني ستكشف في حدث خاص بشهر فبراير عن جهازها كما تقول التسريبات لكن هذا كان سيجعلها تبقي السعر لمعرض E3 إلا أن الشركة ربما فضلت أن تقاطع المعرض الذي سيبقيها بدائرة مقارنة مباشرة مع منافستها، والابتعاد عنه يسمح لها بتحديد مواعيد خاصة للكشف عن التفاصيل والسعر وفق أوقات تختارها هي، ويمكن أن تنتظر مايكروسوفت لتكشف عن سعر جهازها في E3 لتقوم هي بعد ذلك بالإعلان عنه وتكرار ما حدث مع بلايستيشن 4 واكسبوكس ون، بمعنى آخر مسألة التحكم بالتوقيت وعدم الالتزام بتواريخ محددة سيمنح الشركة مرونة أكبر وهامش حركة أوسع أمام المنافس.
خامساً- لا يمكن إهمال عامل السعر المرتفع لحجز المساحات بأرض المعرض فهذا سيزيد من حجم التكاليف على سوني بوقت هي بحاجة فيه للتوفير من أجل الحملة التسويقية للبلايستيشن 5 لاسيما مع الأنباء عن تكبدها خسائر عن سعر بيع الجهاز لطرحه بسعر منافس. لذا فهي قد ترغب بصرف الأموال على أمور أخرى أكثر أهمية بالوقت الحالي.
سادساً- لعل السبب الأهم يتمثل في وجود خلافات بالفعل بين سوني ومنظمة ESA حسب ما سرب الإعلامي جيسون شراير عبر تويتر حيث أكد وجود خلاف بوجهات النظر بين الطرفين أدى لانسحاب سوني، هذا الأمر يدعمه تصريح قديم للسيد شون لايدن في بلايستيشن اكسبيرينس للعام 2017 في مقابلة مع كريغ ميلر لمح فيه لهذا الخلاف عندما سئل عن قرار ESA فتح باب E3 للجمهور بعد أن كان يقتصر على الإعلاميين فقط فقال بأن المعرض التجاري ومعارض الجمهور أمران مختلفين تماماً. وعلى من يرغب بتنظيم معرض للجمهور أن يسأل نفسه كم سيكلف هذا وكيف يمكن أن يتم توسيع المجال وكيف تدخل الناس؟ وعليهم أن يحددوا حيث بات E3 بمنتصف الطريق مشبهاً الأمر وكأنك تقود سيارة بطريق سريع بالمنتصف وتكاد تصطدم بالسيارات الأخرى من كلا الجانبين لذا عليك أن تحدد المسلك الذي ستسير عليه لتجنب الاصطدام.
سابعاً- التغييرات الكبيرة التي طرأت على E3 ربما فتحت المجال بشكل أكبر لاحتمال تسريب الإعلانات الخاصة بالمؤتمرات ورأينا من قبل أمثلة عن ذلك، وسوني لا تريد أبداً أن يفسد أحد إعلاناتها عن الجيل الجديد وبالتالي تفقد بريقها قبل الموعد المقرر.
وأخيراً لا يمكننا إنكار تراجع شعبية معارض E3 والتي باتت تبدو كمنتج قديم أمام التطور الهائل للتكنولوجيا ومنصات البث والسؤال الأهم يبقى كيف سيكون مستقبل هذا الحدث مع انسحاب شركات كبرى منه كنينتندو وسوني؟ وهل ترون أن انسحاب سوني هو مخاطرة أم خطوة ذكية ومحسوبة؟ شاركونا آرائكم.