بلغت سلسلة BioShock من العمر 15 عامًا، رغم ذلك مازالت تحتفظ بمظهرها المميز ولا تبدو كلعبة صدرت قبل أكثر من عقد من الزمان، ولا نقصد بهذا الأمر مظهر اللعبة العام أو التفاصيل الرسومية، وإنما نتحدث عن كونها سابقة لعصرها فيما يخص استكشاف مجموعة من الأفكار غير المألوفة ووضع اللاعب في عالم افتراضي غاية في الإثارة والتنوع والابتكار، والأهم، الحبكة الدرامية المصممة بإتقان وتفاني حيث تقوم بتجميع قصة مدينة سقطت عن طريق التسجيلات الصوتية والجثث الملقاة في كل غرفة والاستكشاف المستمر ناهيك من المفاجآت التي تضعك على أطراف أصابعك طوال الوقت.
كان المخرج Ken Levine هو العقل المبدع وراء سلسلة BioShock، وبالرغم من أن اللعبة الأولى صدرت في عام 2007 الذي شهد وصول ألعاب التصويب من المنظور الأول للقمة مع إصدارات Halo و Call of Duty، صنفت BioShock كلعبة تصويب أيضًا ولكن عوضًا عن الواقعية المطلقة والمعارك الضخمة، ركزت بشكل كامل على القصة والأجواء المحيطة والتصميم الفريد لعالمها الافتراضي الذي لا يشبه أي شيء سابق، رغم ذلك، لم تكن هذه الأفكار مناسبة حقًا لما كانت عليه صناعة الألعاب في ذلك الوقت.
نعم تنتمي BioShock لألعاب التصويب من المنظور الأول، ولكن في الحقيقة كان ذلك مجرد إطار عمل سيستخدم في التسويق لاحقًا لتقديم شيء أكثر طموحًا، ومن الواضح أن ليفين قد تعلم من المبيعات الضعيفة لمشروعه السابق System Shock 2 عندما أوضح في تصريحاته:
اعتقدنا أن System Shock 2 ربما لم تنل التقدير الكافي لأن اللاعبين لم يستطيعوا التفاعل معها بالطريقة المرجوة، ولذلك حاولنا إيجاد طريقة ما لتقديم BioShock بطرق يفهمها الناس، وفي ذلك الوقت كانت تجارب الشخص الأول هي ألعاب التصويب من منظور الشخص الأول فقط، لذلك تساءلنا كيف يمكننا توسيع هذه المفهوم وتلك المفردات لتقديم المزيد لألعاب هذا النوع.
من الواضح أن BioShock كان لها تأثير كبير على ألعاب هذه الفئة التي ظهرت بعد عدة سنوات، ولكن بالنسبة للعبة ذات ميزانية كبيرة من منظور الشخص الأول لم يكن لديها الكثير من القتال في عام 2007، لم يكن من الممكن تخيل مثل هذا المفهوم وقتها، هل كانت الصناعة ترحب بتجارب الشخص الأول غير القتالية كما هي اليوم؟ هل انتهى الأمر بلعبة BioShock لكونها لعبة تصويب من المنظور الأول لا توفر معارك قتالية؟، أجاب ليفين على هذه الأسئلة قائلًا:
اعتبر نفسي شخصًا منتمي للمدرسة القديمة أكثر قليلًا، أحب أسلوب اللعب، وبصفتي مطورًا أحب أنظمة الألعاب كثيرًا، وإذا لم تكن لدي الموارد واضطررت حقًا إلى اتخاذ تلك الخيارات، فقد أقوم بتطوير إحدى تلك الألعاب (ألعاب التصويب القتالية من المنظور الأول)، أحبها حقًا، لكن بالنسبة لي شخصيًا أعتقد أنني سأفتقد الأنظمة والعناصر المختلفة التي قدمتها في ألعاب.
يقصد ليفين بالأنظمة الحبكة الرئيسية التي اعتمدت عليها لعبة BioShock الأولى والمتفرعة إلى 3 عناصر تشمل Splicers و Big Daddies و Little Sisters الذين يتجولون في قاعات Rapture المتهالكة، إنه نظام يمنح اللعبة جاذبية مرعبة لا نهاية لها، ويمكنك ببساطة الجلوس ومشاهدة الصراع المذهل بينهم، على الرغم من عدم وجود ميكانيكا التخفي، مما يعني أنك غالبًا ما يتم رصدك وجذبك للمعركة حتى وأن كنت مكتفيًا بالمشاهدة من بعيد.
تكمن روعة BioShock في قدرتها على إشراكك في قصص متعددة في وقت واحد، حيث يمكنك الاستماع إلى يوميات صوتية عن عالم بارد القلب، الدكتور سوشونغ، ورغبته في هندسة الأطفال وراثيًا “لتخطي” مرحلة الطفولة، في الوقت نفسه، يمكن أن تشاهد المشهد المؤثر والعجيب للمدمرين Big Daddies وهم يتجولون مع Little Sisters، اللاتي يبدن كفتيات صغيرات بريئات على الرغم من ميولهن لامتصاص عنصر ADAM من الجثث باستخدام الحقن العملاقة، وأخيرًا لديك أطلس وريان يتحدثان في أذنك، ويقودان السرد الرئيسي جنبًا إلى جنب مع بعض الشخصيات المختارة التي تقابلها عادةً خلف شاشات زجاجية لا يمكن اختراقها.
يرجع الفضل في المحافظة على تناغم كل هذه العناصر إلى الوتيرة التي يتبعها العنوان بحسب تصريحات ليفين الذي تابع:
هناك العديد من المهارات التي لا أمتلكها كمطور، ولكن لدي القدرة على الفصل بين الأشياء ولعب اللعبة دائمًا كلاعب، لذا فالأمر يتعلق بالوتيرة، أستخدم غرائزي كلاعب فيما أجده مثيرًا للاهتمام، ثم نتحرك في كل مكان طوال الوقت، وذلك لأننا في بعض الأحيان نتناقش حول التركيز بصورة مبالغ فيها على جزء ما، والسبب هو شعورنا بالملل أو الارتباك أثناء تجربة هذه المنطقة أو المهمة.
جزء كبير من الحفاظ على طريقة التفاعل في كل مواجهة هو الشخصية، سواء كانت تستمع إلى مذكرات صوتية بجوار جثة هامدة وكأس نبيذ مسكوب على الأرض، أو تستعد لمعركة ضد عصابة من الـSplicers المتجولين بينما تتصاعد موسيقى الجاز في مكبرات الصوت المحيطة بمدينة Rapture، وتابع ليفين:
من هم الـ Splicers؟ ذكاء اصطناعي يطلق النار عليك ويقوم بمجموعة من الأشياء شبه المثيرة للاهتمام، ولكن ما اعتقدت أنه سيجعل Splicers مؤثرين في الأحداث هو إنسانيتهم المفقودة.
الأمر هنا أشبه بما حدث في فيلم Saving Private Ryan، هناك مشهد يدخل فيه الجندي اليهودي في قتال مع جندي ألماني وينتهي به الأمر بطعنه بالسكين حتى الموت، إنه أصعب شيء يمكن مشاهدته لأنه يقول له “شش، لا بأس” وكأنه يحاول تسهيل الأمر عليه، يضيف هذا الفعل إنسانية غريبة للموقف ويجعله محمل بالكثير من المشاعر.
في حين أن Splicers لا يوفرون لك نفس وسائل الراحة عندما يهاجمونك، فمازالت تسيطر عليهم المشاعر الإنسانية، وبعيدًا عن الاشتباكات المميتة، ستسمعهم ينتحبون من وحدتهم أو يتذكرون أحباء الماضي قبل أن ينفجروا في غضب شديد بسبب الرفض الذي تعرضوا له أو الحالة المؤسفة الحالية التي يعيشونها، الانطباع الغالب هنا هو أنهم ليسوا أشخاصًا عظماء، لكن كل واحد منهم هو شخصية قوية مع لمسة الإنسانية.
يمكن وصف BioShock بأنها أول لعبة “سياسية” رئيسية، بمعنى أن السرد بأكمله – والعديد من آليات اللعب – مبنية حول نقد إيديولوجية الكاتبة Ayn Rand، والتي تفرض أن المجتمع غير منظم من قبل الحكومة أو الدولة، وعوضًا عن ذلك، يتحكم في المشهد رأسمالية السوق الحرة المطلقة، وهذا من شأنه أن يسهل ظاهريًا على أعظم أفراد المجتمع وأكثرهم نجاحًا الابتكار في المجالات الرئيسية مثل الأعمال والعلوم والصناعة والتكنولوجيا دون حواجز التنظيم القمعي، ومن المثير للاهتمام، أنه على الرغم من أن Rapture تشبه إلى حد بعيد مجتمع Galt’s Gulch من كتاب Atlas Shrugged لنفس الكاتبة، يعترف ليفين بأنه لم يقرأ كل شيء كما يظن البعض، ويفضل كثيرًا الأسلوب السردي لعمل آخر من أعمالها هو The Fountainhead، وتابع:
لم يقدم كتاب Atlas Shrugged قصة رائعة من وجهة نظري، لكن The Fountainhead كان أكثر من مجرد كتاب سياسي، إنها قصة حول هذا الرجل ولديك هذا “العدو الكبير”، وكل هذه الصراعات، وهناك قصة رومانسية مثيرة، وأعتقد أن السبب وراء شعبيته هو أنه مثل BioShock يعمل بطريقته الخاصة.
في النهاية يقول ليفين أن السبب وراء قيام BioShock بهذا الأمر بشكل جيد هو كونه مهتم بإثارة الأسئلة أكثر من دفع اللاعبين نحو آراء معينة، وتابع:
ألعابي سياسية على ما أعتقد، لكنها ليست موجودة لتقديم الإجابات لأي شخص.