لطالما أدهشنا فضاء تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بابتكارات واختراعات غير مسبوقة كان لها فضل كبير في الارتقاء بهذا الفضاء على وجه الخصوص وبالبشرية ككل على وجه العموم إلى أعلى مستويات التطور والحداثة. ولطالما انتظرنا من كبرى شركات صناعة التكنولوجيا أن تأخذ على عاتقها هذه المسؤولية الكبيرة ويكون لها دور الريادة في هذا المجال، نظراً لما في جعبة هذه الشركات العملاقة من إمكانيات مادية وبشرية تجعلها أهلاً لتولي هذه المهمة وتكون سر نجاحها.
سوف أتحدث في هذا المقال عن ابتكار سيكون له الفضل في الانتقال بتكنولوجيا العالم الافتراضي إلى مستوى لم تشهد له مثيلاً من قبل، والذي سيكون البوابة نحو تغيير مفهوم الواقع الافتراضي. هذا الابتكار ليس سوى نظارة الواقع الافتراضي، أو ما يدعى Virtual Reality Headset، وسأخص بالذكر نظارة اوكيلوس ريفت (Oculus Rift) لكن قبل البدء بالتخصيص والحديث عن هذه النظارة، لا بد من لمحة موجزة عن الواقع الافتراضي الذي تندرج تحت فضائه نظارة اوكيلوس ريفت.
ما المقصود بالواقع الافتراضي Virtual Reality
والذي يشار اليه أيضاً بـ “الوسائط الغامرة” أو “حياة المحاكاة الحاسوبية” والتي تنشِئ بيئةً تحاكي الوجود الفعلي للأماكن الحقيقية في العالم أو العوالم المتخيلة. أحدث ما عرض من بيئات للواقع الافتراضي كان إما على الحاسوب وإما على شكل عروض مجسمة خاصة. وبعض عمليات المحاكاة تشمل معلومات حسية إضافية، وتركز على الصوت الحقيقي من خلال مكبرات الصوت أو سماعات الرأس، التي تستهدف مستخدمي الواقع الافتراضي.
إضافة الى ذلك، يغطي الواقع الافتراضي بيئات التواصل عن بعد، التي توفر الوجود الافتراضي للمستخدمين مع مفاهيم الحضور المرئي أو الأداة الافتراضية. ومن الناحية العملية، فإنه يعد أمرًا صعبًا للغاية خلق تجربة واقعٍ افتراضي ذات دقةٍ عاليةٍ جدًا، وذلك بسبب القيود التقنية على قوة المعالجة ودقة الصورة ونطاق الاتصالات. ومع ذلك، فإن أنصار الواقع الافتراضي يأملون أن التكنولوجيا الميسّرة في الواقع الافتراضي تصبح أكثر قوة وفاعلية مع مرور الوقت.
نظارة الواقع الافتراضي اوكيلوس ريفت
نظارة اوكيلوس ريفت هي شاشة واقع افتراضي توضع على الرأس بحيث تكون الشاشة مقابل العينين مباشرة. هذه النظارة مزودة أيضاً بسماعات متطورة تمنحنا صوتاً ثلاثي الأبعاد. أنتجت هذه النظارة وطورتها شركة اوكيلوس ريفت الرائدة في مجال تكنولوجيا الواقع الافتراضي. وقد رصدت اوكيلوس ريفت مبلغ 2،5 مليون دولار كميزانية لإنتاج وتطوير هذا المنتج الضخم. هذا وقد مرت اوكيلوس ريفت بثلاث مراحل من الإنتاج والتطوير حتى وصلت إلى النسخة التي ستطرح في الأسواق وستكون متوفرة لعامة الناس في شهر مارس من عام 2016.
الشكل والتصميم
صممت اوكيلوس ريفت هذه النظارة بعناية فائقة، وأبدت اهتماماً كبيراً بأدق التفاصيل من ناحية الشكل لتعطينا شكلاً غاية في البساطة والأناقة في آن معاً. فضلاً عن ذلك فإن ارتداءها سهل ومريح جداً بسبب عدم احتوائها على قطع معدنية مزعجة، والحزامان اللذان يثبتانها بالرأس ناعمان ومريحان ولا يسببان أي إزعاج للمستخدم. هذا وقد تم تصميم أهم جزء في النظارة، ألا وهو شاشتها لتبدو انسيابية وأنيقة للغاية؛ وهي تشابه في الشكل العصبة السوداء التي توضع على العينين عند النوم لمنع الضوء.
كيف تعمل اوكيلوس ريفت وما هي التكنولوجيا المستخدمة فيها
كما نعلم فإن نظارة اوكيلوس ريفت هي عبارة عن مجرد شاشة عرض عالية الدقة والتقنية. وبالطبع كي تعمل شاشة العرض هذه فيجب أن تكون متصلة بحاسوب شخصي يتمتع بأداء عالٍ، أو أن تتصل بجهاز إكسبوكس ون من أجل عرض الألعاب.
تقسم الشاشة إلى قسمين، يتموضع كل قسم بمقابل عين من عينَي المستخدم. يتمتع كل قسم بصورة عالية الدقة تتمثل بـ 1080 × 1020 بكسل وبمعدل تنشيط يصل إلى 90 هرتز.
وكما ذكرنا سابقاً فالنظارة تحتوي على سماعتين داخليتين تمنحان المستخدم صوتاً متكامل ثلاثي الأبعاد. بالإضافة إلى أنها مزودة بحساس يعمل على الأشعة تحت الحمراء مهمته تتبع موقع المستخدم ومعرفة المسافة بينه وبين جهاز الحاسب أو الإكسبوكس ون.
اوكيلوس ريفت في عالم الألعاب
بالنسبة إلى ألعاب الفيديو فمن المنتظر أن تدخل نظارة اوكيلوس ريفت إلى هذا الفضاء الشاسع من أوسع الأبواب عن طريق عقدها شراكة مع إحدى أكبر شركات صناعة التكنولوجيا، ألا وهي (مايكروسوفت). وقد منحت هذه الشراكة لنظارة اوكيلوس ريفت إمكانية العمل مع جهاز مايكروسوفت الشهير “إكسبوكس ون” عن طريق استعمالها كشاشة عرض لألعابه. فلنحاول أن نتخيل إلى أي حد ستصل روعة ألعاب الإكسبوكس ون عندما تعرض على شاشة نظارة Oculus Rift وعندما نستمتع بأصوات الألعاب على سماعتي النظارة بتقنية الـ 3D. من دون أي شك فإن هذا الأمر سيشكل تجربة أقل ما يمكن وصفها بأنها فريدة ورائعة على كافة المقاييس. ومن المؤكد أن هذه الشراكة الهامة بين شركتي Oculus VR و Microsoft سيكتب لها نجاحاً باهراً وستكون من أهم وأشهر صفقات التعاون الثنائي بين شركات صناعة التكنولوجيا.
مستقبل نظارة اوكيلوس ريفت بين أوساط العامَّة
لا شك في أن نظارة اوكيلوس ريفت هي اختراع فريد بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ومن المؤكد أن استخدامها سيكون تجربة غير مسبوقة بالنسبة للمستخدمين. ولكن كي نتمكن من معرفة ما إذا كانت هذه النظارة ستلقى رواجاً كبيراً بين المستخدمين، فعلينا أن ننظر إلى أمرين أساسيين غاية في الأهمية: أولاً تكلفتها وما مدى قدرة الناس على شرائها، وثانياً تأثير استخدامها على المستخدم من الناحية الصحية.
بالنسبة إلى سعر النظارة الذي حددته شركة Oculus VR قبيل طرحها في الأسواق فيصل تقريباً إلى 715 دولاراً، أي ما يعادل 2685 ريال سعودي تقريباً. وهذا مبلغ كبير إلى حد ما لكنه مبرَّر نظراً لروعة هذا الجهاز والتقنية العالية المستخدمة فيه، بالإضافة إلى الجهد الكبير والإمكانات العالية التي تم تسخيرها من أجل إنجاح هذا المشروع. لكن علينا مواجهة حقيقة أن هذا الاختراع لن يكون في متناول أيدي شريحة كبيرة من عشاق التكنولوجيا وهواة الألعاب بسبب سعره المرتفع.
أما بالنظر إلى التأثير الصحي فأنا أعتقد أن هذا الجهاز سيكون له تأثير على صحة العينين إذا استخدم لأوقات طويلة يومياً، لأن شاشة العرض في هذه النظارة على مستوى عالٍ من الدقة والأداء وتتطلب جهداً كبيراً من العينين والدماغ لمعالجة الصور التي تعرضها. ناهيكَ عن أن السماعات ذات الأداء العالي قد تؤثر على صحة الأذنين بسبب قربهما الكبير من الرأس، وبخاصة لمحبي الأصوات الصاخبة. وبالتالي فأنا أظن أن هذين العاملين السلبيين سيكون لهما الأثر الأكبر على رواج هذا الجهاز ومستقبله بين أوساط عشاق التكنولوجيا، باستثناء من كان على قدر عالٍ من البحبوحة المالية أو من كان غير مكترث بالآثار الصحية السلبية فداءً لخوض التجربة التي توفرها هذه النظارة.
خاتمة:
رأينا كيف أن نظارة اوكيلوس ريفت من المنتظر لها أن تشكل ثورة في عالم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وكيف ستكون نقلة نوعية إلى مستوى أعلى بالنسبة لتكنولوجيا الواقع الافتراضي. ومن المؤكد أن التجربة ستكون خير برهان على صدق التوقعات بشأن هذا الاختراع المدهش. لكن للأسف سوف نضطر للانتظار ما يقارب الشهرين من أجل خوض غمار تجربته المثيرة. فلا يسعنا نحن كمستخدمين وعشاق للتكنولوجيا وألعاب الفيديو سوى الانتظار بفارغ الصبر والتطلع قدماً لخوض مغامرة لم يسبق لنا رؤيتها من قبل.
ما هي توقعاتك لهذه التقنية؟