لفتت شركة Embracer Group الأنظار إليها بعد استحواذها على استوديوهات التطوير الغربية لشركة Square Enix في الأسابيع الماضية، لتصبح أكبر شركة ألعاب في القارة الأوروبية بعد أكثر من 60 عملية استحواذ بقيمة 8.1 مليارات دولار، ومن خلال مقالنا هذا ضمن سلسلة مقالات ثقافة الألعاب، نستعرض معكم تاريخ الشركة واستراتيجيتها المتبعة في عمليات الاستحواذ الضخمة التي تتطرق لها.
من بيع القصص المستعملة لقيمة سوقية تقدر بـ10 مليارات دولار
قبل ثلاثين عامًا، أثناء دراسته في مدرسة ثانوية في السويد، بدأ Lars Wingefors في بيع القصص المصورة المستعملة لتحقيق ربح إضافي، ربما لم يخطر بباله حينها أنه بعد 3 عقود سيتمكن من شراء مؤسسة Dark Horse Media، أحد أكبر استوديوهات القصص المصورة المستقلة في العالم وموطن العديد من العناوين الشهيرة أمثال Hellboy و Sin City.
رغم ذلك، استمر الطفل البالغ من العمر 13 عامًا في مسعاه ولم يحيد عن طريقه، وعند بلوغه سن الثامنة عشر، ترك الدراسة في الصف السادس للتركيز على عمله الجديد في مجال الطلبات البريدية، كان الاستحواذ على Dark Horse، الذي اكتمل في مارس الماضي مقابل مبلغ لم يكشف عنه، جزءًا من عمليات الاستحواذ المثيرة للدهشة لشركة Embracer Group والمستمرة منذ ثلاث سنوات، والتي حولت الشركة من استوديو صغير لا يتمتع بأي شهرة ومتخصص في تطوير ألعاب PC إلى أكبر شركة ألعاب في أوروبا من حيث القيمة السوقية بقيمة 9.9 مليارات دولار تحت قيادة Lars Wingefors.
في الواقع، يدرك Wingefors نفسه أن ما حققه هو شيئًا استثنائيًا سيكون من الصعب على أي مؤسسة أخرى تنفيذه بمثل هذه الدقة والسرعة، وهو ما ظهر بوضوح في تصريحاته السابقة التي جاء فيها:
أعتقد أننا بنينا شيئًا فريدًا حقًا يصعب تكراره.
الأمر المؤكد أن عمليات الاستحواذ والاندماج ارتفعت بشكل حاد في قطاع الألعاب منذ بداية وباء كوفيد 19، حيث سعت شركات التكنولوجيا والترفيه الكبيرة لشراء مجموعة محدودة من المواهب والملكية الفكرية وتوسيع نطاق عملها في صناعة تتفوق بالفعل على الأشكال الأخرى للترفيه الجماعي، ومن ضمن هذه الشركات Embracer Group التي تمكنت من استغلال معاناة الآخرين في توسيع ملكيتها الفكرية من جهة، مثل إفلاس THQ، وفي استغلال أبرز الفرص السانحة من جهة أخرى، مثل الاستحواذ على استوديوهات سكوير اينكس الغربية مقابل 300 مليون دولار، مما ساعد في رفع قيمتها السوقية بسرعة كبيرة في وقت قصير.
قام Wingefors بإعادة تسمية شركته من THQ Nordic في عام 2019 لتبني حقبة جديدة من التوسع والاتحاد تحت لواء واحد، وكان أحد أكثر المديرين التنفيذيين المتعطشين لعمليات الاستحواذ في صناعة ألعاب الفيديو، ويسعى إلى تنمية إمبراطوريته لتصبح منافس هائل لشركة Ubisoft في فرنسا، وشركات Take-Two Interactive و EA في الولايات المتحدة الأمريكية.
منذ بداية عام 2020، جاب Wingefors جميع أنحاء أوروبا على متن طائرته الخاصة لمقابلة رواد الأعمال في صناعة الألعاب، أجرى 62 عملية استحواذ بقيمة إجمالية قدرها 77 مليار كرونة سويدية (8.1 مليار دولار)، وكان أكبر استحواذ بقيمة 2.75 مليار يورو على شركة ألعاب فرنسية هي Asmodee، المتخصصة في الألعاب اللوحية والتي تسيطر على العديد من استوديوهات التطوير وشركات النشر.
تبدو الأمور مثالية للمدير التنفيذي Wingefors مع اتساع رقعة الاستحواذات ورفع القيمة السوقية لشركته، لكنه أمام مهمة ضخمة لإدارة مثل هذه الإمبراطورية الشاسعة والمترامية الأطراف، والتي تشمل أنواعًا مختلفة من الترفيه التفاعلي، الأمر الذي جعل Embracer تمثل تحديًا أمام المستثمرين والمحللين الذين يحاولون قياس قيمتها مقارنة بأقرانها.
يقول توبي كلوثير، المحلل بشركة Mirabaud Securities للأوراق المالية، بخصوص توسع الشركة:
أصبحت شركة Embracer مستحيلة الفهم على نحو متزايد، حتى وأن امتلك Wingefors أقوى إرادة في العالم، لن يستطيع معرفة ما يجري في شركته، ومن المستحيل أن يتمكن من متابعة كل ما يحدث.
تفوق صناعة ألعاب الفيديو على صناعة السينما بفارق شاسع
في أحدث تقرير مالي لها، للربع الثالث من عام 2021، أعلنت Embracer عن زيادة بنسبة 135 في المائة في صافي المبيعات إلى 5 مليارات كروةا سويدية مقارنة بالعام السابق، وزيادة بنسبة 70 في المائة في الأرباح قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك إلى 1.5 مليار كرونة، كما أعلنت عن نمو بنسبة 16 في المائة في قسم الألعاب، بغض النظر عن عمليات الاستحواذ الأخيرة.
وصف كين رومف، محلل الألعاب في مؤسسة Jefferies، استراتيجية Wingefors بأنها لا مركزية، مما ميزها عن غيرها من الشركات عالية الاستحواذ في هذا القطاع، ووصف الأمر بـ”مجموعة من استوديوهات تطوير الألعاب مجمعة معًا”، مضيفًا أنه في بعض الأحيان بدا Wingefors “مرتاحًا بشكل غريب” في رفضه إيجاد طرق لتجميع أعماله سويًا عندما يكون هناك تداخل واضح بين الشركات المختلفة التي يسيطر عليها.
في المقابل، يعتقد Wingefors أنه “ليس من الصعب” إدارة شبكة معقدة ومتنامية من 112 استوديوًا للترفيه في جميع أنحاء أوروبا، مما يسلط الضوء على الاستراتيجية التي يتبعها في عمليات الاستحواذ تلك، والتركيز على “رواد الأعمال ذوي السجل الناجح” واعطائهم كامل الحرية لإكمال أعمالهم كما هي دون أي تدخل، وفسر وجهة هذه موضحًا:
من وجهة نظر تجارية، ليس لدينا مركزية تجارية لصنع القرار، بالنظر إلى الشركات الأخرى، فقد واجهوا صعوبات عندما وضعوا عددًا كبيرًا جدًا من المسؤولين والمديرين وتحكموا في منشئي المحتوى، وبسبب ذلك بدأوا في الانهيار.
ازدادت عمليات الاستحواذ في قطاع الألعاب خلال العقد الماضي، ووصلت إلى مستوى قياسي هذا العام من حيث قيمة الصفقات، مدعومة باستحواذ مايكروسوفت على Activision Blizzard مقابل 75 مليار دولار واستحواذ Take-Two على Zynga مقابل 12.7 مليار دولار، واستحواذ سوني على Bungie مقابل 3.6 مليار دولار.
ارتفاع عمليات الاستحواذ في قطاع الألعاب بشكل حاد منذ 2019
مع استمرار توسع الصناعة عامًا تلو الآخر، وتمكنها من أن تصبح أنجح الصناعات الترفيهية وأكثرها تحقيقًا للأرباح في السنوات الماضية، ترتب على هذا الأمر بحثًا مستمرًا عن الألعاب المميزة واستوديوهات ناجحة للاستحواذ عليها من قبل كبار النشارين واستخدامها في مواجهة المنافسين وتحقيق عائدات أضخم.
على الجانب الآخر، اتخذ Wingefors نهجًا أكثر تشتيتًا من منافسيه، حيث اشترت مجموعة Embracer استوديوهات أصغر تقدم ألعابًا أقل شهرة، بدلاً من الصفقات الضخمة التي تفضلها شركات مثل Sony و Tencent و Microsoft، وتتضمن قائمة Embracer لعبة التصويب المعتمدة على الغنائم Borderlands، وسلسلة مغامرات عصابات الشوارع Saints Row، و Goat Simulator، حيث يحاكي اللاعبون حياة الماعز، لكن لماذا لم تستثمر الشركة أموالها في شراء استوديوهات عملاقة وتطوير ألعاب AAA الضخمة؟، إليك رد Wingefors على هذا الاستفسار:
إذا تمكنت من تطوير لعبة واحدة، فسيكون لديك مخاطر تجارية كبيرة، ولكن إذا قمت بتطوير 200 لعبة، كما نفعل نحن، فإن مخاطر العمل ستكون أقل.
تعمل هذه الإستراتيجية في كلا الاتجاهين، كما أنها تقلل من مخاطر تفوق شركة نشر أكبر على Embracer في حالة الاستثمار في عناوين AAA فقط، وتتيح للشركة تثبيت أقدامها بقوة في صناعة ألعاب الفيديو وتحقيق نجاحات مدروسة.
أدت العودة الجزئية إلى الحياة الطبيعية بعد أسوأ فترة لوباء كوفيد 19، واندلاع الحرب في أوكرانيا، إلى إضعاف شهية المستثمرين إلى حد ما في هذا القطاع، حيث شهدت معظم الشركات انخفاضًا كبيرًا في أسعار أسهمها خلال العام الماضي، ومع ذلك، فإن ستافان إيكستروم، الشريك في EY للاستثمار المصرفي الذي عمل على معظم صفقات Embracer، واثق من ارتفاع وتيرة الاستحواذات حيث ستشتد حدة المعركة على الألعاب القوية والتقنيات الجديدة.
قال Wingefors إنه يخطط للقيام بعدد مماثل من عمليات الاستحواذ في الأشهر والسنوات المقبلة (قبل الاستحواذ على استوديوهات سكوير انيكس الغربية)، وسيتطلع إلى التوسع في أسواق جديدة، بما في ذلك المنطقة المزدهرة للألعاب المجانية Free 2 Play، بالإضافة إلى دول مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة وبولندا وفرنسا والصين.
ولكن في حين أنه من الواضح أن استراتيجية الاستحواذ لشركة Embracer تعمل بشكل مثالي في وقت ازدهار الصناعة ونموها، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كان Wingefors سيكون قادرًا على قيادة إمبراطوريته المتباينة إلى آفاق جديدة خلال فترة اضطراب الأسواق العالمية، حيث تأثرت Embracer بشدة بالحرب في أوكرانيا، والسبب وجود 1000 موظف في روسيا، و 250 في بيلاروسيا و 200 في أوكرانيا، ومعظمهم يعمل على تطوير ألعاب الشركة المنتظرة في السنوات القادمة.
يقول Rumph، محلل أبحاث الأسهم أن نجاح Embracer يمكن أن يكون مجرد صدفة توقيت ليس أكثر، وتابع:
يكمن القلق في أنهم سينفقون المزيد من الأموال في الوقت الذي يكون فيه المستهلكون على وشك البدء بإنفاق أموالهم بشكل أكثر حكمة بسبب الأوضاع الاقتصادية، تعتقد أنك عبقري عندما تشتري منزلًا عاديًا في ضاحية متوسطة، وتقوم بذلك معتقدًا أنه سيكسب المزيد من المال بمرور الوقت، لكن في النهاية، لا يزال مجرد منزل متوسط في نفس الموقع.
يبقى أن نرى ما إذا كانت استحواذات Embracer ستضمن لها الاستمرار بنفس النجاح في السنوات القادمة، أم ستؤثر عليها سلبًا في ظل الحرية الكبيرة التي تتمتع بها معظم الاستوديوهات والشركات المملوكة للشركة السويدية.
شاركونا بآرائكم في قسم التعليقات أدناه بخصوص توقعاتكم لمستقبل شركة Embracer Group، ولا تنسوا الاطلاع على مقالنا السابق “من هي شركة Embracer Group؟ وكيف ستتأثر Square Enix بعد بيع استوديوهاتها الغربية؟“.