فاجأت مايكروسوفت الجميع بإعلان استحواذها على شركة Activision في صفقة قياسية تعد الأضخم في تاريخ صناعة ألعاب الفيديو، وواحدة من أضخم الصفقات التي شهدها مجال الأعمال في العقد الماضي بوجه عام، ترتب على هذا الاستحواذ ردود فعل متباينة ما بين مؤيد ومعارض، ومخاوف من حصر عناوين Activision وعدم توافرها لأجهزة بلايستيشن مستقبلًا.
من خلال مقالنا هذا ضمن سلسلة مقالات مستقبل الألعاب، نلقي نظرة على أهم النقاط التي دفعت مايكروسوفت لإتمام الصفقة، والنتائج المترتبة عليها.
الاستحواذ على Activision يخدم خطة مايكروسوفت على المدى الطويل
بالنسبة لمايكروسوفت، يرتبط مستقبل ألعاب الفيديو بجمع الكثير من الألعاب الشهيرة التي يمكن لعبها على جميع الأجهزة وتقديمها لخدمة Xbox Game Pass وتقنية الألعاب السحابية، ومع عناوين مشهورة مثل Call of Duty و Candy Crush وأكثر من 5000 من مطوري الألعاب، لدى Activision كل ما تحتاجه الشركة للمضي قدمًا في تلك الخطة.
في السنوات الأخيرة، حولت مايكروسوفت تركيزها من أجهزة Xbox الخاصة بها إلى نظام قائم على الخدمات حيث تكون الأجهزة القوية أقل أهمية من المرونة في ممارسة الألعاب أينما وكيفما يريد المستهلكون، سواء على هاتف iPhone قديم أو كمبيوتر محمول رخيص، وإذا كانت رؤية الشركة للمستقبل صحيحة، فإن الألعاب السحابية ستوفر القوة بغض النظر عن الجهاز المستخدم في غضون سنوات قليلة.
رأت مايكروسوفت أن تميز نفسها بمحتواها وقدرتها على تقديم ألعاب رخيصة بأسعار رمزية من خلال الاشتراكات بدلاً من الجودة وجاذبية العلامة التجارية التي تتمتع بها أجهزتها، وهو ما يتناقض مع استراتيجية الشركات المنافسة سوني ونينتندو، اللذان لا يزالان يتبعان النماذج التقليدية المتمثلة في العناوين الحصرية ذات الجودة العالية التي تباع بالسعر الكامل.
والآن، ومن خلال السيطرة على مجموعة جديدة من الاستوديوهات، تضمن مايكروسوفت أن الملايين من لاعبي Activision سينضمون عاجلًا أم آجلًا لخدمتها الرقمية التي تصفها بـ”نتفلكس ألعاب الفيديو”.
مايكروسوفت تدخل سوق ألعاب الهاتف من أوسع أبوابه!
تعجب البعض من المبلغ الضخم الذي كلفته عملية الاستحواذ، والذي يتخطى قيمة شركة Activision الحقيقية في سوق الأعمال، حيث سيتم شراء كل سهم مقابل 95 دولارًا رغم أن قيمته الحالية 89 دولارًا فقط، ولكن في المقابل توفر الصفقة لمايكروسوفت القدرة على الاستفادة من تفوق Activision في سوق ألعاب الهواتف الذكية مع استوديو KING، الذي استحوذت عليه الشركة الأمريكية قبل عدة سنوات بأكثر من 5 مليارات دولار.
بالنظر لحقيقة أن ألعاب الهاتف هي الأضخم والأكثر تحقيقًا للعائدات في الوقت الراهن، مع عائدات تخطت 110 مليارات دولار في العام الماضي، عدلت Sony من استراتيجيتها في الفترة الماضية لجلب ألعابها الحصرية على الهواتف الذكية، بينما سبق وحققت Nintendo نجاحات قوية في تلك الفئة مع ألعاب Pokemon و Mario، في المقابل، لم تتطرق مايكروسوفت للألعاب المحمولة بشكل مباشر، ولكنها بصدد فعل ذلك بعد الاستحواذ على Activision.
تحدث ساتيا ناديلا، المدير التنفيذي لشركة مايكروسوفت، عن الصفقة موضحًا:
بتوسيع أفقنا قليلاً، ستجعل هذه الصفقة نهجنا في التعامل مع المستهلك أقوى. ذلك لأن رؤيتنا للميتافيرس تستند إلى مجتمعات عالمية من سلاسل ألعاب شهيرة. يتمثل جزء كبير من ذلك في حقيقة أن الجوال هو أكبر فئة من فئات الألعاب، وهو مجال لم يكن لنا فيه حضور كبير من قبل. تضيف هذه الصفقة أحد أنجح ناشري ألعاب الأجهزة المحمولة إلى Microsoft Gaming، وأنا أتطلع شخصيًا للتعلم من الفرق المبتكرة في King.
زيادة حصة مايكروسوفت في سوق ألعاب الفيديو
من المحتمل أن تزيد هذه الصفقة من حصة مايكروسوفت في سوق ألعاب الفيديو، ومن غير الواضح مقدار الحصة السوقية لمفهوم metaverse التي ستمنحها هذه الصفقة لمايكروسوفت، ولكن من المؤكد أنها ستساعد الشركة على الهيمنة على صناعة ألعاب الفيديو، حيث تسيطر مايكروسوفت بالفعل على 23.9٪ من سوق برمجيات ألعاب الفيديو في الولايات المتحدة وإضافة 10٪ من Activision من شأنه أن يمنح الشركات المدمجة حصة تبلغ 33.9٪، أي ما يقرب من أربعة أضعاف حصة Nintendo البالغة 9٪ (تحتل حاليًا المرتبة الثالثة في الصناعة)، وفقًا لتقرير IBISWorld.
إذا تمت الصفقة، فإن مايكروسوفت ستواصل مطاردتها لشركات Tencent و Sony لتكون ثالث أكبر شركة لألعاب الفيديو على مستوى العالم، ويشمل ذلك أجهزة الألعاب والبرمجيات وفقًا لـ MarketWatch، ما يعني أن الصفقة ستعزز تواجد أجهزة Xbox بالأسواق، وعلى الرغم من أن ألعاب Activision تعمل على جميع منصات الألعاب – بما في ذلك PlayStation من Sony – إلا أن مايكروسوفت قد تمنح أجهزتها الأفضلية من خلال ميزات حصرية للألعاب الشهيرة مثل Call of Duty عن طريق المحتويات والعناصر التجميلية الحصرية.
هل ستصدر ألعاب Activision حصريًا على Xbox؟
على الرغم من أننا لا نعرف على وجه اليقين ما تخطط مايكروسوفت للقيام به، فقد ألمحت إلى أنها تنوي الاحتفاظ ببعض الألعاب حصرية، بينما ستظل ألعاب أخرى متعددة المنصات، ولكن من المتوقع أن يتم إصدار الالعاب الفردية مثل Crash Bandicoot حصريًا على Xbox، لكن ألعاب مثل Call of Duty و Overwatch، من المرجح أن تظل متعددة المنصات.
تمامًا مثل لعبة Minecraft، فإن Call of Duty هي سلسلة تصويب أكبر بكثير من أن يتم حصرها على جهاز واحد، وفي حال قررت مايكروسوفت ذلك، تعد إزالة اللعبة من PlayStation طريقة مؤكدة لخلق عداوة مع طبقة عريضة من اللاعبين في المعسكر الآخر، حيث تعتمد ألعاب Call of Duty بشكل أساسي على أنظمة المشتريات مقابل أموال حقيقية، وتكسب ملايين الدولارات من منصة PlayStation على أساس ثابت سواء من مبيعات اللعبة نفسها أو المشتريات الداخلية.
يعتمد نموذج العمل للألعاب الجماعية الضخمة مثل Call of Duty على سهولة الوصول، مع إمكانية اللعب على الهواتف المحمولة والكمبيوتر الشخصي وكل منصة ممكنة، لهذا السبب، نشك في أننا سنرى Call of Duty يتم سحبها من PlayStation على هذا الأساس، ولكن التكهن الأكثر منطقية هو أن ألعاب Call of Duty والألعاب المماثلة ستذهب مباشرة إلى Xbox Game Pass عند الإطلاق، مما يمنح أجهزة Xbox عرضًا ذا قيمة لن يكون موجودًا على PlayStation.
تحدث فل سبنسر، رئيس اكسبوكس، في تغريدة على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي تويتر عن ألعاب Call of Duty تحديدًا وأوضح:
أجريت مكالمات جيدة هذا الأسبوع مع القادة في سوني. لقد أكدت عزمنا على احترام جميع الاتفاقيات الحالية عند الاستحواذ على Activision Blizzard ورغبتنا في إبقاء Call of Duty على PlayStation. تعد Sony جزءًا مهمًا من صناعتنا، ونحن نقدر علاقتنا بالشركة.
هل حصر ألعاب Activision على أجهزة Xbox أفضل لمايكروسوفت من الناحية المالية؟
يقول Karol Severin، كبير المحللين ومدير المنتجات في MIDiA Research (شركة استشارات تركز على الترفيه والوسائط الرقمية)، أن إصدار ألعاب Activision حصريًا على Xbox و PC و Cloud في المستقبل لن يكون ذو فائدة مالية كبيرة، بينما قد يكون اتباع نهج أكثر ليونة أمرًا مناسبًا، وتابع:
تحقق العناوين الكبيرة من Activision إيرادات كبيرة – في الغالب – على أجهزة Sony، ولن يكون من الصواب – من الناحية المالية – إيقاف هذه الإيرادات، قد يؤدي إتباع مفهوم العناوين الحصرية على أجهزة إكسبوكس إلى تنفير قاعدة المستخدمين على الجانب الآخر، والتي مازالت ذو قيمة كبيرة.
عوضًا عن حصر الألعاب، يمكن لمايكروسوفت اتباع نهج أكثر ليونة يتمثل في إطلاق المحتويات الإضافية للعبة Call of Duty حصريًا لمدة شهر على أجهزة Xbox، وتوفير المزيد من الخصومات والمحتوى الحصري داخل اللعبة، مما يعطي الأفضلية لإصدارات اكسبوكس.
من جهته، أوضح فل سبنسر، رئيس اكسبوكس، تعقيبًا على صفقة الاستحواذ على Activision:
سأقول فقط للاعبين الذين يلعبون ألعاب Activision Blizzard على منصة Sony أنه ليس هدفنا سحب مجتمعات اللاعبين بعيدًا عن تلك المنصة، وما زلنا ملتزمين بذلك.
قضايا متوقعة واستراتيجية تطوير أفضل تحت إشراف مايكروسوفت
لم يسبق وأن شاهدنا استحواذًا على شركة بهذا الحجم من قبل في صناعة الألعاب، حتى لو لم يكن هذا شيئًا جديدًا بالنسبة لمايكروسوفت المعتادة على الصفقات الضخمة، فهذا حقًا وقت غير مسبوق للصناعة ككل، على الأقل في العقد الماضي، وهي الصفقة التي أوضحت الفارق الشاسع بين استحواذ مايكروسوفت السابق على Bethesda وما حدث مع Activision.
يتوقع أن تشهد الشهور القادمة مناقشات مختلفة قبل الموافقة على إتمام الصفقة، خاصة مع الدعوى القضائية المستمرة من قبل ولاية كاليفورنيا، لذلك قد يكون هناك مستجدات غير معروفة حاليًا.
حتى لو كانت الجوانب السلبية واضحة جدًا للوهلة الأولى، فمن المؤكد أن تجربة مايكروسوفت و Xbox يمكن أن تساعد في إعادة صياغة أساس التطوير في Activision Blizzard، والذي بدوره يمكن أن يحسن التطوير المستمر لعناوين مثل Call of Duty و Overwatch و World of Warcraft والعديد من الألعاب الكلاسيكية التي اختفت عن الأضواء في السنوات الماضية.
امتلاك عدد ضخم “جدًا” من فرق التطوير قد يأتي بنتائج سلبية!
تفوقت Sony في الجيل السابق بفضل ألعاب الطرف الأول الحصرية التي أجبرت مايكروسوفت على التكيف وإعادة ترتيب أوراقها، والآن، ليس على مايكروسوفت القلق بخصوص تلك الجزئية بعد أن أصبحت تمتلك أكبر عدد ممكن من فرق التطوير المختلفة للوقوف في وجه منافسيها، رغم ذلك، يمكن أن تأتي تلك الاستراتيجية بنتائج سلبية غير متوقعة.
على سبيل المثال، هل سيكون هناك مجال للعبة تصويب أخرى للتنافس مع Call of Duty؟ حتى وأن كان، هل تجازف مايكروسوفت بذلك وتقسم مبيعاتها على عناوين بنفس التوجه خاصة وأنها تمتلك حاليًا العديد من فرق التطوير المتخصصة في ألعاب التصويب الجماعية من المنظور الأول، بالطبع تدرك مايكروسوفت ذلك جيدًا، وستحاول إيجاد صيغة مناسبة لتقديم ألعاب بتوجهات مختلفة تلائم كل الأذواق، ولكن في الوقت نفسه قد يحد هذا الأمر من قدرات الفرق الإبداعية في حال لم يتم استغلال تلك الأفضلية بطريقة صحيحة.
إلى أي مدى ستؤثر قوانين مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة على الصفقة؟
لإتمام عملية الاستحواذ بنجاح، يجب أن تتم الموافقة من قبل الهيئات التنظيمية وأبرزها لجنة التجارة الفيدرالية بالولايات المتحدة ووزارة العدل الأمريكية، وربما الاتحاد الأوروبي، وفي حين أنه لا يتم إعاقة مثل هذه الصفقات في كثير من الأحيان، أصبحت كل من لجنة التجارة الفيدرالية والاتحاد الأوروبي مؤخرًا أكثر عدائية لفكرة الاستحواذ على شركات التقنية الكبيرة بسبب الخوف من أن يؤدي المزيد من الدمج إلى احتكارات ضارة بالصناعة ككل.
أحد الأسئلة التي لم نجد لها إجابة بعد هو ما إذا كان سيتم التعامل مع صفقة مايكروسوفت الجديدة على أنها استحواذ على التكنولوجيا أو استحواذ على الترفيه، وبالرغم من أن شركات التكنولوجيا الكبرى خضعت للتدقيق على مدار السنوات الماضية، إلا أن الصفقات الترفيهية مثل استحواذ ديزني على شركة Fox قوبلت بقدر أقل من المخاوف المتعلقة بمكافحة الاحتكار.
على الجانب الآخر، تعد مايكروسوفت بلا شك واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم، ومن الممكن أن تتجنب رادار لجنة التجارة الفيدرالية والاتحاد الأوروبي إذا تم التعامل مع الصفقة كمجال ترفيهي بعيدا عن الابتكارات التقنية، ومع ذلك، ونظرًا لأن مايكروسوفت صرحت بشكل علني أن الصفقة تمثل أهمية كبرى لخططها المخصصة لمفهوم الميتافيرس، قد يتم التعامل مع عملية الاستحواذ بصفتها تخص الابتكارات التكنولوجية بشكل مباشر، وهو ما قد يؤثر على القرار النهائي بطريقة أو بأخرى.
إذا تم اعتبار هذه صفقة تقنية كبيرة، فمن المحتمل أن تواجه تدقيقًا متزايدًا، ومن المؤكد أن رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية المعينة مؤخرًا، لينا خان، أكثر صرامة فيما يتعلق بعمليات الاستحواذ على التقنيات والشركات الكبيرة، كذلك أصدر الرئيس بايدن أمرًا تنفيذيًا في يوليو أعلن فيه عزم إدارته حماية المنافسة الاقتصادية، لا سيما في مجال التقنية والتكنولوجيا.
في الواقع، وبعد ساعات قليلة من إعلان مايكروسوفت استحواذها على Activision، أعلنت لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) أنها بدأت تحديث إرشادات الاندماج للشركات الكبرى خاصة في المساحات الرقمية، وهي التحديثات التي قد يكون لها تأثير كبير على هذه الصفقة تحديدًا.
رئيس Activision المثير للجدل «بوبي كوتيك»
سبق وأعلنت مايكروسوفت اعتراضها على سياسية العمل في شركة Activision تحديد قيادة “بوبي كوتيك”، وشهدت الفترة الماضية دعوات جماعية من اللاعبين والمطورين وكذلك المستثمرين لإقالته من هذا المنصب، ومع ذلك يحتفظ بمنصبه كرئيس تنفيذي حتى الآن، وبالرغم من التقارير غير المؤكدة التي تشير لتنحيه بمجرد إتمام صفقة الاستحواذ في العام المقبل، يظل كوتيك المدير التنفيذي الحالي للناشر وسيستمر في هذا المنصب لعام كامل على أقل تقدير.
بافتراض إتمام الصفقة، فإن استحواذ مايكروسوفت على الشركة لن يغير بطبيعته أيًا من مشكلات ثقافة العمل العالقة التي مازالت تعصف بـ Activision Blizzard، رغم ذلك، هناك تفاؤل واضح بين اللاعبين بخصوص سياسة مايكروسوفت التي أكدت على لسان فل سبنسر التزامهما بـ”الكرامة والاحترام” بين زملاء العمل ردًا على عملية الاستحواذ، وهناك احتمال أن يؤدي استحواذ مايكروسوفت لبيئة عمل أكثر أمانًا وإيجابية، ولكن هذا لن يغير من حقيقة أن الأوضاع ستظل سيئة كما هي لحين الانتهاء من الصفقة تمامًا.
تلك هي أبرز النقاط المترتبة على استحواذ مايكروسوفت على Activision، أخبرونا بأرائكم في قسم التعليقات، ولا تنسوا الاطلاع على مقالنا السابق “لنتعرف على أسطول استوديوهات Xbox Game Studio وأبرز مشاريعها“.